للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠١ - مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَبَابَةَ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ ⦗٤٢٧⦘ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَيَحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِيهِ حُكْمُ الْقِرَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الْقِرَانُ وَهُوَ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيُ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُوَافِقًا لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ قَرَنَ مِمَّنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَإِنَّهُ لَا طَوَافَ بِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَلَا يَحِلُّ بَيْنَهُمَا، فَكَيْفَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ شَدِيدُ النُّكْرَةِ؟ وَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيَّ مَجْهُولَانِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ مَشْهُورًا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا مَوْصُوفًا بِحِفْظِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَالِمٌ بِالْأَشْعَارِ وَالْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ فَقَطْ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا جَهْلُ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَا يُحْتَجُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ الْمَعْرُوفُونَ الثِّقَاتُ. فَإِذْ قَدْ بَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَخَالَفَتْهُ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ مِنْ قَارِنً أَوْ مُفْرِدٍ بِالْإِحْلَالِ، وَكُلَّ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ بِالْقِرَانِ. فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إِنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِوُجُوهٍ، مِنْهَا: أَنَّ الْقَائِلَ ظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّغُ لِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْإِحْلَالَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوجِبٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ غَيْرُ سَائِغٍ لَهُ بِلَا شَكٍّ، وَمَا سَوَّغَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِنَفْسِهِ قَطُّ الْإِحْلَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بِتَمَامِ عَمَلِ الْحَجِّ كُلِّهِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِحَفْصَةَ، وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ كِتَابِ الْفَسْخِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِإِسْنَادِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي أَوْرَدْنَا: أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ هُوَ مَانِعُهُ مِنْ أَنْ يَحِلَّ كَمَا أَحَلَّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَهَذَا وَجْهٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ هُوَ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَصْلًا، وَأَنَّ الْمُفْرِدَ هُوَ الَّذِي أُمِرَ بِالْإِحْلَالِ كَمَا ظَنَّ، لَكَانَ حَدِيثُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَلَكَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّغْ لِنَفْسِهِ الْإِحْلَالَ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ لَوْلَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، هَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا مَنْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لُغَوِيًّا فَإِنَّ طَبِيعَةَ كُلِّ مُمَيِّزٍ تَدُلُّهُ مِنْ لَفْظَةِ: لَوْلَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ. فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِحْلَالَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُمْتَنِعًا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ لِوُقُوعِ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهُ، فَكَانَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَصِحُّ بِلَا شَكٍّ قِرَانُهُ، فَكَيْفَ وَحَدِيثُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، عَنْ أَنَسٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قِرَانٍ؟ وَلَا عَلَى إِفْرَادٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا الْهَدْيُ كَانَ مَعَهُ لَأَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ الَّذِي هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ إِمَّا بِإِفْرَادٍ، وَإِمَّا بِقِرَانٍ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِهِمْ لِلْقِرَانِ وَالْحَجِّ مُفْرَدًا، وَهَذَا فِي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَعَهُ هَدْيٌ. وَأَيْضًا فَحَتَّى لَوْ كَانَ فِي حَدِيثِ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ نَصُّ إِبْطَالِ الْقِرَانِ مَا الْتُفِتَ إِلَيْهِ مَعَ مُخَالَفَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَثَابِتٍ، وَبَكْرٍ، وَحُمَيْدٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُقْرَنُ إِلَيْهِ مَرْوَانُ الْأَصْفَرُ. فَكَيْفَ؟ وَلَقَدْ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ مُعَارَضَةِ هَؤُلَاءِ الْجِبَالِ الْعَوَالِ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْأَحْمَرِ عَنِ الْأَصْفَرِ؟ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مَرْوَانِ الْأَصْفَرِ شَيْءٌ يُخَالِفُ الْقِرَانَ أَصْلًا؟ وَلَا شَيْءٌ يُخَالِفُ سَائِرَ مَا أَوْرَدْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْجِلَّةِ مِنَ الرِّوَايَاتِ، عَنْ أَنَسِ أَلْبَتَّةَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ الَّذِي حَقَّقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّغَ لِنَفْسِهِ الْإِحْلَالَ، وَاسْتَدَلَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ قَارِنًا مَا سَوَّغَ لِنَفْسِهِ الْإِحْلَالَ يَنْقُضُ عَلَى نَفْسِهِ كَلَامَهُ هَذَا بِأَقْرَبَ مَأْخَذٍ، وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْمُفْرِدَ بِالْحَجِّ لَا يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَّا بِتَمَامِ أَعْمَالِ حَجِّهِ كَالْقَارِنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْهُمَا، وَبَطَلَ مَا تَأَوَّلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الْإِحْلَالَ سَائِغٌ لِلْمُفْرِدِ دُونَ الْقَارِنِ، وَلَا أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يُبْطِلُهُ، وَلَا يُثْبِتُهُ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي ظَنَّهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ ظَنٌّ فَاسِدٌ سَاقِطٌ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، لِأَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقَوْمٌ قَالُوا: لَا يَحِلُّ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَّا بِتَمَامِ مَا أَهَلَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ مَعَهُمَا هَدْيٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ النَّاسِ، وَقَوْمٌ قَالُوا: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ مِنْ مُحْرِمٍ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ أَوْ قَارِنٍ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَاءَ أَوْ أَبَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَقَوْمٌ أَبَاحُوا لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ أَنْ يَفْسَخَ إِحْرَامَهُ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُوجِبُوهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ

<<  <   >  >>