للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٤٠ - بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ حُنَيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ الْفَرَّاءُ الْوَاسِطِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» ⦗٤٧٦⦘ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ إِلَّا جَاهِلٌ فَهُوَ مَلُومٌ لِتَكَلُّمِهِ بِمَا لَا يَدْرِي، أَوْ مُعَانِدٌ يَدْرِي سُقُوطَ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا عَوْنِ بْنَ عَمْرٍو، وَدَاوُدَ بْنَ حُنَيْنٍ، وَرَحْمَةَ بْنَ مُصْعَبٍ الْفَرَّاءَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، فَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا. وَتَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ: «عُرْوَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا أَقْبَحُ وَأَسْوَأُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا جَمَعَ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَالْكَذِبَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّنَاقُضَ وَالْحُكْمَ بِلَا دَلِيلٍ، وَأَمَّا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ {آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] إِنَّمَا عَنَى آثِمًا وَكَفُورًا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ الْفَاسِدِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَهُ عَنْ طَاعَةِ الْإِثْمِ حَتَّى يَكُونَ كَفُورًا، وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ، فَقَاسَ هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَنْ لَا أَحَدُهُمَا دُونَ الثَّانِي. وَأَمَّا الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ لَيْلًا وَنَهَارًا فَأَتَى بِلَفْظٍ مُلْبِسٍ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ تَعَالَى اللَّهُ وَتَنَزَّهَ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا مَنْ نَقَلَ الْحُرُوفَ اللُّغَوِيَّةَ الْمَوْضُوعَةَ بِمَعَانٍ مَحْدُودَةٍ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْقُلَهَا عَنْ ⦗٤٧٧⦘ مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِدَلِيلِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ ضَرُورَةِ حِسٍّ. وَأَمَّا تَنَاقُضُهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا وَلَمْ يَقِفْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمُ الْفَاسِدُ فِي أَنَّ مَعْنَى مُرَادِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مَعًا، وَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْوِيلِهِمُ الْكَاذِبِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا بِهَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَةُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ لَهُمْ: فَأَوْجِبُوا الْوُقُوفَ بِهَا نَهَارًا وَإِلَّا فَلَا حَجَّ، فَإِنَّمَا كَانَ وُقُوفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِيَقِينٍ نَهَارًا، وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا - وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا - تُنْبِئُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ مِنْهَا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ، فَأَيْنَ الْوُقُوفُ لَيْلًا؟ مَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ وَقَفَ فِيهَا بَعْدَ مَغِيبِ الْقُرْصِ أَصْلًا، لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ، وَإِنَّمَا صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَفَعَ مِنْهَا عِنْدَ مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ الدَّفْعُ وُقُوفًا فَمَا صَحَّ قَطُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ بِهَا لَيْلًا أَصْلًا، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ الْقَوْلَ بِمَا لَا عِلْمَ بِهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ " فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعْنَا كُلُّنَا أَنَّ مَنْ وَقَفَ لَيْلًا فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَاخْتَلَفْنَا فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا فَيَجِبُ أَنْ لَا نَخْرُجَ مِمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِهِ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ عَلَى أَدَائِهِ، وَقِيلَ لَهُمْ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا تَمْوِيهٌ زَائِفٌ، وَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَلْتَزِمُوا هَذَا فِي قَوْلِنَا: إِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الرِّجَالِ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ مِنَ النِّسَاءِ فَلَا حَجَّ لَهُ، فَنَقُولُ: قَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَاخْتَلَفْنَا فِيمَنْ لَمْ يَقِفْ كَذَلِكَ فَقُلْنَا نَحْنُ: لَا حَجَّ، وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: حَجُّهُ تَامٌّ ⦗٤٧٨⦘ فَيَلْزَمُكُمْ - عَلَى مَا الْتَزَمْتُمْ - أَنْ تَقُولُوا بِقَوْلِنَا بِذَلِكَ، فَلَا مَخْرَجَ مِمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِهِ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ آخَرَ، وَهَذَا إِذَا الْتَزَمْتُمُوهُ أَفْسَدَ عَلَيْكُمْ جَمِيعَ مَذْهَبِكُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْ مَسَائِلِكُمْ جِدًّا، فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ، وَمَا نَعْلَمُ مِنْ إِيجَابِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا وَلَمْ يَقِفْ لَيْلًا مَعْنًى وَلَا دَلِيلًا بِوَجْهٍ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

<<  <   >  >>