وان هذه الصفات الخليقة بكل مسؤول، هي التي جعلت الايالة تعينه، وهو لم يتجاوز الثلاثين خليفة لباي قسنطينة التي هي أكبر القاطعات في الجزائر وأهمها من جميع النواحي.
ولقد ظهر أحمد، أثناء ممارسته هذه المسؤولية الجبارة، مهارة كبيرة وخبرة واسعة في اكتساب ثقة الأهالي وضمان تعاونهم معه، بحيث أنه، عندما وقع الخلاف بينه وبين رئيسه، وأمر هذا الأخير بحبسه، وجدناه يحظى بمساعدة أعيان المدينة والبايلك بصفة عامة لمغادرة المكان والتوجه إلى العاصمة بسلام.
وفي منفاه، ظل الباي متمسكا بسيرته الأولى، فكان يبرهن على شجاعته وتفانيه كل ما دعي للمساهمة في عمل من الأعمال. وفي البليدة، استطاع أن يثير إعجاب يحي آغة باستقامته وإخلاصه، وانقلب هذا الإعجاب محبة بعد تجارب طويلة، وخاصة بعد الدور الذي لعبه أحمد أثناء الزلزال الذي أصاب البليدة سنة ١٨٢٥. ولذلك رأينا الآغة، صاحب النفوذ والسلطان في ذلك الحين يتدخل لدى الداي، ويحصل للحاج على العفو في مرحلة أولى، ثم على البايلك في مرحلة ثانية سنة ١٨٢٦.
هكذا، حصل أحمد على هذا المنصب باستحقاق. وبمجرد ما تسلم مسؤوليته الجديدة شرع في تنظيم الأمور والقضاء على الفوضى. وتبين من خلال هذه الأعمال أنه قائد مقتدر له من الدهاء العسكري والسياسي ما لم يتوفر لسابقيه. ولذلك تمكن من البقاء اثنتين وعشرين سنة على الرغم من المشاكل والمحن، ومن المجهودات والتضحيات التي بدلتها فرنسا للقضاء عليه.
هذا، وإننا سنفرد للحاج أحمد دراسة مستقلة في وقت لاحق. أما اليوم، فإننا ننشر مذكراته التي يجمع المؤرخون على أن لها قيمة تاريخية كبرى. ولقد سبق أن نشرها