وكما وقع الخلل في تعريف المعجزة، وقع الخلل أيضاً في أمور متعلقة بها يأتي بيان بعضها بإيجاز إن شاء الله.
وبما أن الأنبياء عليهم السلام ليست لهم معجزة واحدة، فإن ما يذكره بعض العلماء من شروطٍ للمعجزة فإنها لا تتناسب مع معجزات الأنبياء، ومن أهم الشروط التي ذكروها: أن المعجزة تكون مقرونة بالتحدي، وهذا الشرط لا يتناسب مع كثير من معجزاتهم، بل إنها كلها ـ إلا القرآن ـ لم يُتحدَّ بها، فبعضها عارضها الكفار ظنّاً منهم أنه بمقدورهم الغلبة على النبي عليه السلام كحال السحرة مع موسى، وبعضها طلبها المشركون آية للتصديق، ولم يتحدَّهم بها النبي عليه الصلاة والسلام؛ كانشقاق القمر، وبعضها حدث بين قوم مؤمنين؛ كانبجاس الماء لموسى عليه السلام، وما كان كذلك، فليس مقامه مقام التحدي، وبعضها حدث للنبي عليه الصلاة والسلام قبل نبوته؛ كشقِّ الصدر الذي كان له قبل بعثته (١).
ومن هنا تعلم أن اشتراط التحدي في تسمية المعجزة ليس بسديد، وإنما الذي دعا إليه هو حصر الحديث عن آيات الأنبياء بالآية العظمى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، وهي القرآن الكريم الذي تحدى الله به الإنس والجن.
وبمناسبة ذكر التحدي فإن بعض العلماء ذهب إلى التفريق بين المعجزة والكرامة بتفريقات منها: أن المعجزة يتحدى بها النبي عليه الصلاة والسلام، والكرامة تقع للولي ولا يتحدى بها.
وهذا التفريق محض اصطلاح، بل يصح تسمية ما يظهر على يد
(١) روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طستٍ من ذهبٍ بماء زمزم، ثم لأمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعني ظِئْرَهُ ـ فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.