الأدلة على ذلك أن الله قد نزل بالتحدي إلى سورة من مثل القرآن في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وإذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز ـ سوى الصرفة ـ وجدت أنها لا تكون في كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلاً: ليس في كل السور إخبار بالغيب.
أما الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوباً) بأي اصطلاح اصطلح عليه العلماء؛ كقول بعضهم: الإعجاز البلاغي، وقول آخرين: الإعجاز البياني ... إلخ، فإن مرجعها إلى النظم العربي المتميز لهذا القرآن الكريم.
والتأمل في هذا النظر الذي ذكرته لك يُبينُ لك حقيقةً مهمة، وهي أن الوصف بالتحدي منطبق على هذا الوجه دون ما سواه، وأن المتحدى به هو المعجز إعجازاً تامّاً تامّاً، بحيث لو اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بسورة من مثله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وإذا تأملت ما ورد في القرآن عن العرب من وصف القرآن بأوصاف = وجدت أن هذه الأوصاف مرتبطة بالكلام أكثر من ارتباطها بالمضمون الذي هو جديد عليهم، وليس من علومهم (١)، فقالوا: قول ساحر، وقالوا: قول كاهن، وقالوا: قول شاعر، قال تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ
(١) هذا الموضوع، وهو تميز موضوعات (معلومات) القرآن وعلوَّها وجِدَّتَها على العرب من البحوث المهمة التي يحسن الكتابة فيها، والملاحظ أن العرب لم يستطيعوا أن يعترضوا على موضوعات القرآن سوى أنهم وصفوه بأساطير الأولين، وبأنه إفك، وبأنه مما درسه أو أخذه عن غيره، وكلها تخرصات ووهم وظنون قد ردَّ الله عليها في القرآن تفصيلاً، ثم ردَّ عليها إجمالاً بالتحدي بأن يأتوا بسور من مثله.