للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآية لا تتناسب مع ما يستدلُّ به أصحاب الإعجاز العلمي (١).


(١) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني: «... فما إن دخل الناس في عصر العلوم الكونية حتى وجدوا في كتاب الله نبأً بأن الله سيريهم آياته في الآفاق، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، وإذا بالوعد متحقق، فهناك آيات كثيرة ظهرت لعلماء الكون في الآفاق، وكان ما أخبر بها رسوله أو بنى عليها حكماً أو أشار إليها» «توحيد الخالق» ط. المكتبة العصرية (٢: ٨٩ - ٩٠).
إن قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} لا يناسب تنزيله على موضوع الإعجاز العلمي لأمور:
الأول: أن الآية في مقام التهديد والوعيد، وليست في مقام الوعد بحصول شيء مما يتكلم عنه أصحاب الإعجاز العلمي، والسياق شاهد بذلك، فكيف يمكن إخراج آية الوعيد إلى الوعد بإظهار هذه الاكتشافات على يد الكفار؟!
الثاني: أن المراد بالآية كفار مكة، والآية وإن كانت عامةٌ في التلاوة إلا أنها خاصة في التفسير، فهي من قسم العموم الذي أريد به الخصوص، فلا يصلح الاعتبار بعموم اللفظ هنا.
أما كونها في أهل مكة، فهذا لا نزاع فيه ألبتة، ويكون المعنى كما رجح الطبري، قال: «وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول، وهو ما قاله السديّ، وذلك أن الله عزّ وجل وعد نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يُري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آياتٍ في الآفاق، وغير معقول أن يكون تهدّدهم بأن يريهم ما هم رأوه، بل الواجب أن يكون ذلك وعداً منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه من قبل ظهور نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم على أطراف بلدهم وعلى بلدهم، فأما النجوم والشمس والقمر، فقد كانوا يرونها كثيراً قبل وبعد، ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك». تفسير الطبري، ط. دار هجر (٢٠: ٤٦٢).
الثالث: أن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} قد وقع عياناً لكفار مكة لمَّا فتح الله مكة لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، وظهر لازم هذا الخبر، وهو إيمان من كان كافراً من أهل مكة، وقد نبَّه الطاهر بن عاشور على هذا فقال: «أعقب الله أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول للمشركين ما فيه تخويفهم من عواقب الشقاق على تقدير أن يكون القرآن من عند الله وهم قد كفروا به إلى آخر ما قرر آنفاً، بأن وَعَدَ رسوله صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التسلية والبشارة بأن الله سيغمر المشركين بطائفة من آياته ما يتبينون به أن القرآن من عند الله حقاً فلا يسعهم إلا الإيمان به؛ أي: أن القرآن حقّ بَيِّنٌ غير محتاج إلى اعترافهم بحقيته، وستظهر دلائل حقّيّته في الآفاق البعيدة عنهم وفي قبيلتهم وأنفسهم، فتتظاهر الدلائل على أنه الحق فلا يجدوا إلى إنكارها سبيلاً، والمراد: أنهم يؤمنون به يومئذٍ مع جميع من يؤمن به، وفي هذا الوعد للرسول صلّى الله عليه وسلّم تعريض بهم إذْ يسمعونه على طريقة: فاسمعي يا جارة. =

<<  <   >  >>