للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آمن به، وعلم أنه من عند الله، لم يكن إيمانه من أجل تلك القضايا التي يذكرونها من أنواع الإعجاز، وإنما كان مجرد سماعه لتلاوة القرآن مبينة له عن مباينته لكلام المخلوقين، وتقرير ذلك بالأمثلة عن الذين أسلموا وأقروا بصدق القرآن يطول، وفيما ذكرته تذكرة وغُنية.

الثالث: إن هناك نظراً قد يخفى على بعض من يبحث في الإعجاز، وهو أن التحدي الحقيقي يقوم على من يملك أدوات التحدِّي دون من يفقدها، وهي بالنسبة له من العدم.

فالعرب قد بلغوا حدّاً من الفصاحة والبيان، وحدّاً من العلم بفارق ما عندهم عما جاء به القرآن من النظم والفصاحة والبيان، وكان عندهم من القدرة على التفنن في ضروب القول، والتذوق للكلام البليغ القدر الكبير الذي لا يُضاهَى، فجاء التحدي لهم بما يملكون أداته، وعندهم أصُولُه، ولهم فيه جولة وصَولَةٌ، فلما تحداهم الله به عرفوا عجزهم عن الإتيان بمثله، فاتجهوا إلى محاربته بأنفسهم وأموالهم، مع أنه قد طُلِبَ منهم ما هو أقلُّ من ذلك، وهو معارضة هذا القرآن (١)، فلما لم يعارضوه ثبتَ وقوع التحدِّي إلى يوم القيامة، فمن كان أقدر على المعارضة أبان


= أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرَقاً من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلي عند الكعبة.
قال: فقمت منه قريباً، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.
قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي: واثكل أمي! والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته ... هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد، ولخبره شاهد في الصحيح» السيرة النبوية لابن كثير (٢: ٧٢ - ٧٦).
(١) انظر هذا المعنى في: بيان إعجاز القرآن للخطابي (ص: ١٩) ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.

<<  <   >  >>