للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى الذي ذهب إليه في معنى الكنوس حادث، وإنما قاده إليه تلك القضية الفلكية التي لا يتناسب معها جعل الكنوس من الكِناس، وإنما يناسبها جعله من الكَنْسِ.

وهذا الاختيار لهذين المعنيين ما كان ليكون لو لم يكن له معرفة بما يُسمى بالثقوب السود التي هي حالة من حالات النجوم ذكرها الفلكيون المعاصرون.

فلو لم يعرف هذا ما كان ليطرأ عليه هذا المعنى البتة، وهذا يَدُلَّك على أن هذا أسلوب الاعتقاد المُسبق، ثم الاستدلال له.

يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار بعد حديثه عن تكوُّن الثقوب السوداء: «... فسبحان الذي خلق النجوم وقدَّر لها مراحل حياتها، وسبحان الذي أوصلها إلى مرحلة الثُّقب الأسود، وجعله من أسرار الكون المبهرة، وسبحان الذي أقسم بتلك النجوم المستترة الحالكة السواد الغارقة بالظلمة، وجعل لها من الظواهر ما يعين الإنسان على إدراك وجودها على الرغم من تسترها واختفائها، وسبحان الذي مكَّنها من كنس مادة السماء وابتلاعها وتكديسها، ثم وصفها لنا قبل أن نكتشفها بقرون متطاولة بهذا الوصف القرآني المعجز، فقال عزّ وجل: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: ١٥ - ١٦]، ولا أجد وصفاً لتلك المرحلة من حياة النجوم المعروفة باسم الثقوب السود أبلغ من وصف الخالق سبحانه وتعالى لها بالخنس الكنس، فهي خانسة؛ أي: دائمة الاختفاء والاستتار بذاتها، وهي كانسة لصفحة السماء، تبتلع كل ما تمر به من المادة المنتشرة بين النجوم، وكل ما يدخل في نطاق جاذبيتها من أجرام السماء، وهي جارية في أفلاكها المحدَّدة لها، فهي خُنَّس جوار كُنَّس، وهو تعبير أبلغ بكثير من تعبير الثقوب السود الذي اشتهر وذاع بين المشتغلين بعلم الفلك، ُ ٌ ً ي ى و ِ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: ١٢٢].

<<  <   >  >>