٢٧٣ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ , نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , نا يُونُسُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: " لَا يَقْرَأُ مِنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ يَكْفِيهِمْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ صَوْتَهُ , وَلَكِنَّهُمْ يَقْرَأُونَ فِيمَا لَا يَجْهَرُ بِهِ سِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَصْلُحُ لِأَحَد مِمَّنْ خَلْفَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَه فِيمَا جَهَرَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً قَالَ اللَّهُ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤] " وَقَد رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةً وَمَوْقُوفَةً سِوَى مَا ذَكَرْنَا وَأَنَا لَا أُحِبُّ تَدْنِيسَ كِتَابِي بِأَمْثَالِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا وَمَنْ قَالَ: بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ احْتَجَّ بِالْآيَةِ , وَالْآيَةُ فِي الِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهَا دُونَ مَا يُسِرُّ بِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: فَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي تُسْمَعُ خَاصَّةً فَكَيْفَ يُنْصَتُ لِمَا لَا يُسْمَعُ؟ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ احْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ بِالْآيَةِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ: ⦗١١٣⦘ إِنَّمَا يُسْتَمَعُ لِمَا يُجْهَرُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ , فَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ اللِّسَانِ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لِلشَّيْءِ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مَسْمُوعًا فِي الْجُمْلَةِ , فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَسْمُوعٍ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُؤْمَرُ بِاسْتِمَاعِهِ وَلَا بِالْإِنْصَاتِ لَهُ , وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى تَرَكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَام فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ دُونَ مَا خَافَتَ فِيهِ بِهَا وَهُمْ أَرْبَابُ اللِّسَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنَ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي يَصِيرُ مَسْمُوعًا لِمِنَ اسْتَمَعَ لَهُ مِنْ حيْثُ لَا يَعْلَمُ بِهِ صَاحِبُهُ , فَأَمَّا إِذَا قَصَدَ إِلَى الِاسْتِمَاعِ وَلَمْ يَسْمَعْ فَإِنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُسْتَمِعًا وَلَا مُسْتَحِقًّا لِهَذَا الْوَعِيدِ وَإِنْ كَانَ مَأْثُومًا بِمَا وُجِدَ مِنْهُ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى الِاسْتِمَاعِ وَهُوَ كَمَا لَوْ قَصَدَ مَعْصِيَةً ثُمَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ إِنَّهُ فَعَلَهَا وَلَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِيهَا , وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعِ الْقِرَاءَةَ لِصَمَمٍ يَكُونُ بِهِ أَوْ تَبَاعُدٍ عَنِ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لِمَنْ سَمِعَهَا حُكَمًا وَشَرْعًا فَأَمَّا اللُّغَةُ فَعَلَى مَا حكَيْنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ خَافَتَ بِهَا زَعَمَ أَنَّا لَا نُنْكِرُ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ , غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْ بَعْضَ مِنْ رَوَى عَنْهُمُ اخْتَصَرُوا الْحَدِيثَ فَقَالُوا: فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا ⦗١١٤⦘ وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ , ثُمَّ مِنْ تَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِتَمَامِهِ مُقَيَّدًا مُفَسَّرًا بِذِكْرِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ حتَّى نَزَلَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ دُونَ السُّكُوتِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ قِرَاءَتِهَا وَالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَلَى مَا نُبَيِّنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute