ومن تدبر السور المفتتحة بواو القسم، يبدو لنا أن القرآن يعدل في هذا الأسلوب عن الأصل اللغوي للتعظيم بالقسم إلى استعمال بلاغي، هو قوة اللفت إلى مادي محسوس وواقه مشهود، ليس مطنة مماراة، توطئة بيانية لمعنوي أو غيبي غير مدرك بالحس. على ما سبق الإلتفات إليه في سورتي الضحى، والعاديات.
وهذا التوجية يمكن أن تقبله سور: العصر، والليل، والفجر، والشمس، والمرسلات، والذاريات، والتين، والطور، والقلم، والنجم.....
وهي جميعاً من السور المكية.
وأمام ذلك المألوف من أسلوب القرآن في اللفت بالواو إلى مادي مدرك، لا نطمئن إلي تفسير "النازعات" بما ذهب إليه أكثر المفسرين، من أنها الملائكة تنزع الأرواح، إذ ليست الملائكة في نزعها للأرواح، وسبقها إلى تدبير أمر الله، مما يدخل في نطاق الحسيات المدركة. كما يبدو مستبعداً في فهمنا. والله أعلم، أن يلفت إليها القرآن للاستدلال على البعث، من لا يؤمنون بملائكة تنزع الأرواح وتدبر شئون الكون بأمر الله. إذ لو كانوا مؤمنين بها. لصدقوا بالبعث واليوم الآخر.
ونحن أكثر اطمئناناً إلى تفسير النازعات بالخيل المغيرة، دون تحديد لها بخيل الغزاة كما قال الزمخشري وغيره من المفسرين متأثرين بنزعة التعظيم في القسم بها، فما كان للمسلمين في العهد المكي خيل تغزو، ولا كان هناك دار سلام ودار حرب يخرج الغزاة منها وإليها، والقول بأن هذا سوف يكون بعد الهجرة، لا مجال له هنا مع هذا اللفت إلى واقع مشهود، توطئة للإقناع بغيب يمارون فيه!
وقد لفت القرآن في (سورة العاديات) إلى الخيل عاديات ضبحاً مثيرات نقعاً مغيرات صبحاً، ليستحضر بها موقف البعث إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور. وما نرى السياق في (النازعات) إلا شبيهاً يالذي في (العاديات) ؛