فالاستئناس بإحداهما في فهم الأخرى، أصح منهجاً من أن نبعد في التأويل إلى مسبح الملائكة في آفاقها الغيبية غير المنظورة ولا المدركة.
* * *
وما نطمئن إليه من تفسير (النازعات) بالخيل، يوجه الآيات بعدها في يسر وبلا تكلف، فهي تنزع في عدوها وتغرق فيه، وهو الملحظ نفسه في السبح الذي يجمع له السابح قوته. وبهذا النزع السابح، تسبق إلى الغاية فتدبر من الأمر ما أجمعت له في معاناة.
وننظر في المفردات، فنرى النزع - وهو لغوياً بمعنى الجذب والشد والقلع، ومنه المنازعة شدة التجاذب في الخصومة - قد استعمل في القرآن ملحوظاً فيه قوة الجذب والمعاناة فيما يظن به الرسوخ والتأصل، سواء في ذلك الفعل في نزع الشيطان لباس أبوينا {الأعراف ٢٧) ونزع موسى يده فإذا هي بيضاء للناظرين (الأعراف ١٠٨ والشعراء ٣٣) ونزع الله النعمة من الإنسان (هو ٩ وآل عمران ٣٦) ونزع ريح صرصر عاتية كفار عاد {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَع}(القمر ٢٠) والصفة في لظى نار جهنم {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} ، أي الأطراف (المعرج ١٦) وآية النازعات غرقاً.
والغرق في الأصل اللغوي بمعنى الرسوب في الماء، ويستعمل مجازاً في إغراق البلاء والنعمة. كما يقال أغرق النازع في القوس أستوفى مدها، وإغترق الفرس الخيل خالطها ثم سبقها، وامرأة تغترق نظرهم أي تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها.
وفي القرآن جاءت مادة غرق، عدا آية النازعات، أثنتين وعشرين مرة. كلخا على اختلاف صيغها، فعلاً ومصدراً واسم مفعول، من الغرق بمعناه الأول القريب في أصل الوضع اللغوي بصريح سياقها في اليم والبحر والموج، أو في إغراق قوم موسى والكفار من قوم نوح.
فسر الزمخشري {غَرْقًا} في النازعات، بأن الخيل تنزع نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها.