للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المزمل ١٤: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} .

وبها استأنس الزمخشري في تفسير الراجفة، بالأرض ترجف يوم القيامة. ولكنه لم يقف، وهو البلاغي المفسر، عند إسناد الرجف إلى الأرض نفسها، مع وضوح الظاهرة الأسلوبية في الآيات بعدها: الرادفة والساهرة، والحافرة، وخاسرة.

والأصل فيه أن الأرض مرجوفة لا راجفة، وأن التابعة مردفة لا رادفة، وأن حفرة القبر محفورة لا حافرة، وأن الكرة خسر أصحابها، وكذلك الساهرة. وعدول القرآن عن هذا الأصل، إلى الإسناد لامجازى فيها جميعاً، ظاهرة أسلوبية لافته، لا يهون إغفالها.

وفي سورة الزلزلة، أشرنا إلى غلبة استعمال الفعل مبنياً للمجهول، أو مطاوعاً، في الحديث عن يوم القيامة، وذكرنا أن في هذا تركيزاً للإنتباه في الحدث نفسه، ودلالة على الطواعية التلقائية التي يستغنى بها عن فاعل.

والذي قلناه في إخراج الأرض أثقالها وتحدثها بأخبارها، يقال مثله هنا في الأرض راجفة وهو مرجوفة، والرادفة وهي مردوفة، وكذلك الشأن وهنا تلقائية تعني عن ذكر المحدث. بما أودع جل شأنه الأرض من قوة وهنا تلقائية تغنى عن ذكر المحدث، بما أودع جل شأنه الأرض من قوة التسخير لما يريد لها. وهنا أيضاً مباغتة، لا يدري معها الإنسان يوم القيامة من أين جاء الرجف، وتركيز للإنتباه في أخذه الرجفة.

وكما تنزع الخيل نحو غاياتها التي سخرت لها، بحركة تلقائية ذاتية، وتنشط وتسبح يقوى مودعة فيها، فكذلك الأرض يوم القيامة، ترجف بحركة تلقائية ذاتية، صائرة إلى ما سحرت له، فهي مرجوفة راجفة,

* * *

{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} .

والردف في العربية: الإتباع، والراكب يحمل غيره على ردف الفرس وراءه فيقال: ردفه. ثم أطلق على الإتباع بعامة، وإن لم يكن على ردف فرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>