للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظاهر الخطاب أنه عام. والمقصود منكرو البعث، على ماقال "أبو حيان" وإنما أنكروه أستبعاداً لإمكان عودة الإنسان إلى الحياة الدنيا بعد أن يقبر ويبلى. ولو تدبروا آيات الله في الكون لوجدوا فيها ما ليس أسهل ولا أهون من إحياء العظام وهي رميم. وقد ساق القرآن هذه الآيات بأسلوب الاستفهام ليرجعوا إلى أنفسهم فيلتمسوا جواب ما سئلوا عنه: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} .

ولمنن شاء منهم أن يتصور صعوبة بناء سماء كهذه، وقد ألفوا في المبنى أن يكون بمنال اليد وأن يشد بما يمسكه ويرفعه فلا ينقض، وأين ذلك كله من تلك السماء، في ارتفاعها الشاهق الذي لا مجال لبلوغه، وفي قيامها على غير عمد ترى أو قوائم تحس!

والسمْكُ: القامة والعلو. وتكلف مفسرون فحددوا مقدار ذلك السمك، ففي (الكشاف والبحر) : "جعل مقدارها في العلو مديداً رفيعاً، مقدار خمسمائة عامّ" وهذا ما لا يقبله النص من قريب ولا بعيد، كما أنه ليس من مألوف البيان القرآني فيما تناول من ظواهر الكون وآيات القدرة الإلهية فيها. وهو من تفاوت قياس السرعة بالزمن، على اختلاف العصور، فما كان يقاس أيام الزمخشري بالأعوام، في عصر الناقة، أصبح يقاس بالدقائق والثواني في عصر غزو الفضاء!

وذهب الشيخ محمد عبده إلى أن رفع السمك هنا هو "رفع أجرام السماء فوق رءوسنا" ولا يبدو قوياً.

أما التسوية - وهي في اللغة استقامة واعتدال وإتزان - فمن المفسرين من تأولها هنا بالتتميم وبالإصلاح (الكشاف) وبجعلها ملساء ليس فيها تفاوت، وبإتقان الإنشاء وإحكام الصنعة (البحر المحيط، ومفردات القرآن) .

وهي معان متقاربة، يحتملها النص في قبر وبلا تكلف، وأما قول الشيخ محمد عبده إن التسوية هي "وضع كل جرم في موضعه" فلا يعطي من قرب، الدلالة القرآنية العامة للتسوية والسوى والسواء، بمعنى الإستقامة والإعتدال، فيما يكون في استوائه ملحظ دقة وإحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>