القوة، وأن يحتمل أعباء الذبل والإيثار من أجل خير الجماعة، على ما في ذلك من مشقة وعناء.
ولو أن هذا الإنسان قد رجع إلى فطرته، وثاب إلى رشده وحسه وبصيرته، لاهتدى إلى معالم الخير والشر واضحة أمامه شاخصة، ولأدرك أنه - على ما يتوهم من قدرته - ضعيف أما خالقه القادر الأعلى، وأنه على ما يغره من تراثه، محاسب عن ذلك الشر الذي تمثل في أوضاع "هذا البلد".
وأي شر أفدح وأوضح، من أن يستحل أذى الرسول في البلد الحرام؟ وأن يوجد في هذا البلد، مثابة الحج ومقر البيت العتيق، قادر مستبد يملك رقاب الناس، ترى يهلك مالاً لبداً، وإلى جانبه ناس قد أهدرت إنسانيتهم بالرق، وذو قربى جياع، ومساكين فقراء لاصقون بالتراب؟!
هكذا تتجسم أوضاع هذا البلد الحرام، والرسول حل فيه. وعلى هذا مضت بهم الحياة أجيالاً متعاقبة: والداً وما ولد.
ومن ثم تتحدد معالم النضال في سبيل ما جاءت به الدعوى الإسلامية لهدى الناس وإصلاح ما فسد من أحوالهم: والقرآن إذ يدعو هنا إلى المجاهدة ضد الرق، والفروق الطبقية والظلم الإجتماعي، يستثير ما في فطرة الإنسان من قدرة على المكابدة ويخصه على اقتحام العقبة الكبرى، على هدى المعالم الواضحة أمامه لطريقى الخير والشر.....
والإثارة اللافتة، لا تأتي من مجرد الاستفهام البياني وحده، وإنما تأتي كذلك من كل لفظ ونبرة، في قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ، ينفذ به إلى أعماق الوجدان، ويهيىءالاسمع لما يعقبه من بيان: {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ......}
وعسى ألا يفوتنا هنا، هذا الترتيب لخطوات اقتحام العقبة ومراحل النضال من أجل صلاح الإنسان وخير الجماعة:
بدأ بفك الرقبة، ولهذا البدء دلالته الصريحة عن أن تحرير الإنسانية من أغلال الرق هو أول خطوة في النضال الصعب من أجل الوجود الكريم الجدير بالإنسان، فليس شيء أخر بالذي يسبق رد الكرامة الآدمية للإنسانية. وكل