إصلاح لخير البشر والمجتمع، إنما يأتي بعد أن نرد إلى الإنسانية اعتبارها المهدر بالرق.
واستعمال الفك والرقبة، فيه ما فيه من إشعار بأن العبد المسترق مغلول الرقبة بقيد مهين يسلبه إنسانيته وينزل به إلى منزلة البهم والدواب، وهو المخلوق الذي سواه الله بشراً حراً كريماً، فاستعبده مخلوق مثله، حسب لفرط غروره بقوته وثرائه، أن لن يقدر عليه أحد!
والآيات بعدها: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} هي آيات العدالة الإجتماعية، لتصحيح الأوضاع المادية التي أباحت وجود مقتدر ذي مال لبد، ويتيم جائع ذي مقربة أو مسكين ذي متربة. والقرآن يضع هذه العدالة الإجتماعية تالية لفك الرقبة، ويأتي بها في مساق البيان لاقتحام العقبة، مقدراً ما في تصحيح هذا الوضع الفاسد من صعوبة، وما يتطلبه من مجاهده ومكابدة.
وقوله تعالى:{فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ، يجسم بشاعة الوضع: فالمسغبة المجاعة، أو هو الجوع العام كما قال "أو حيان"، وليس أبشع من تصور جار يتيم أو مسكين محتاج، في يوم مجاعة.
وكون اليتيم ذا مقربة، يفسر بالقرب وبالقرابة، ولكليهما حق الجوار والقربى.
وكون المسكين ذا متربة، بيان لمدى العوز والهوان، يلصق المسكين بالتراب، أو يجعله، من فرط العدم، لا يجد سوى التراب!
وضع بشع، يستطيع الإنسان أن يدركه ببصره وبصيرته، بحسه وبفطرته، ويستطيع معه أن يميز طريق الخير، لو اقتحم العقبة وجاهد من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية.