السورة مكية، والمشهور أنها الرابعة عشرة في ترتيبالنزول، نزلت بعد سورة العصر. وموضوعها: اليوم الآخر.
وتبدأ بعرض مشهد سريع لغارة عنيفة مفاجئة، تباعت القوم صبحاً فلا ينتبهون إليها وإلا وقد توسطت جمعهم فبعثرتهم وسط عاصفة من النقع المثار.
وتأتي هذه الصورة العنيفة بعد واو القسم، لافتة إلى ما عهد القوم من مثل نلك الغارات المفاجئة المصبحة، وما تحدث من بعثرة وحيرة وإرتباك.
ثم تأتي بعدها صورة أخرى لغيب غير مشهود، ولكنه واقع حتماً: البعث يفجأ على غير موعد، فإذا هم في حيرة وبعثرة وإرتباك، قد لفظتهم القبور لليوم الآخر مالفراش المبثوث، وإذا كا ما في صدورهم قد حصل، لم تفلت منه خافية مضمرة، مطوية في أعماق الصدر ومستكن الضمير.
وفي كل كلمة، بل في كل حرف منها، سره البياني الباهر فيما قصد إليه القرآن من إحضار مشهد ليوم البعث شاخصاً مجسماً، وتأكيداً وقوعه، والإنذار بما ينتظر الإنسان فيه من حساب دقيق عسير.
* * *
ونبأ بالواو في:
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} .
الواو في أصل الاستعمال اللغوي للقسم، ويتجه به جمهور المفسرين إلى تعظيم ما يقسم به وتأكيده، وهذه الفكرة المسيطرة عليهم، تدفعهم - على ما رأينا ونرى - إلى ضروب من التأويلات، ولا نخلو من غرابة وإعتساف.
وفي العاديات هنا قولان: فهي الخيل فيما ذهب كثير منهم، ولكي يستقيم لهم مفهوم بالقسم بها، تأولوها بخيول المسلمين في غزوة بدر، وهو قول روى عن إبن عباس، والحسن، وأخذ به جماعة من المفسرين.
لكنهم رووا كذلك عن إبن عباس مل نصه:"كنت جالساً في الحجر، فجاء رجل فسألني عن العاديات ضبحاً، ففسرها بالخيل..... فذهب إلى "علي"