للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإنما أراد الله أن يكونَ كذلك في سبيل الاحتمال حتى تختلفَ بالمجتهدين الأحوالُ» (١).

٤ - وجودُ التَّعارض بين الحكمينِ المُدَّعى فيهما النَّسخُ.

وأغلبُ مادَّةِ كُتبِ النَّاسخِ والمنسوخِ تتعلَّقُ بالنَّسخِ على اصطلاحِ المتأخرينَ، ومن أجلِ ذلك، فهو جزءٌ من علمِ أحكامِ القرآنِ.

أمَّا علماءُ السَّلفِ من الصَّحابة والتَّابعين وأتباعِهم، فالنَّسخُ عندهم يشملُ النَّسخَ الذي استقرَّ عليه المتأخرونَ، والعامَّ والخاصَّ، والمجملَ والمبيَّنَ، والمطلقَ والمقيدَ.

وهذا يعني أنَّ مصطلحَ النَّسخِ عندهم يشملُ رفعَ أيِّ حكمٍ، أو معنى في الآيةِ، وهو بهذا يشملُ تخصيصَ العامِّ، وتقييدَ المطلقِ، وبيانَ المجملِ، والاستثناءَ، وغيرَها مما يدخلُه إزالةُ بعضِ معناه (٢).

وعلى هذا المفهومِ من النَّسخِ يُحملُ كلامُ علي بن أبي طالب


(١) الناسخ والمنسوخ، لابن العربي (٢:٩).
(٢) من العجيبِ أنَّ ابن العربيِّ (ت: ٥٤٣) قد نصَّ على هذا، فقال: «قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣]، قال ابن القاسم ـ عن مالكٍ ـ: هي منسوخة. وهذا كلامٌ تشمئز منه قلوبُ الغافلين، وتحارُ فيه ألبابُ الشَّادين، والأمرُ فيه قريبٌ؛ لأنَّا نقولُ: لو ثبتَ ما نسخَها إلاَّ ما كان في مرتبتِها، ولكن وجهه أنَّ علماء المتقدِّمين من الفقهاء والمفسِّرين كانوا يُسمُّونَ التَّخصيصَ نسخًا؛ لأنَّه رفعٌ لبعضِ ما تناوله العمومُ ومسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم، حتَّى أشكلَ ذلك على من بعدهم، وهذا يظهرُ عند من ارتَاضَ بكلامِ المتقدِّمين كثيرًا». أحكام القرآن (١:٢٠٥).
ولكنه يعترضُ على أمثلةٍ في النَّسخِ على مفهومِ السَّلفِ، ويحكمُ بها على مصطلحِ المتأخرينَ. ينظر: كتابه الناسخ والمنسوخ (٢:٥١ - ٥٢، ٢٦١).

<<  <   >  >>