للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نُقلتْ عن علماء النَّحوِ واللُّغةِ لسبقِهم في التدوينِ (١).

وبعدَ هذا الاستطرادِ، أرجِعُ إلى صُلبِ الموضوعِ، وهو:


(١) لقد تكلم قوم في علم التجويد، وضعَّفوا تأصيلَه، وجعلوه علمًا حادثًا، وفي هذا نظرٌ ليس هذا محله، والذي أريدُ أن أُنبِّه عليه هنا:
١ - مما ينبغي أن يعلمَ أوَّلاً: أنَّ القرآنَ قد خالفَ المعهودَ من نظمِ العربِ ونثرِها، وإن لم يخرجْ عن سنَنِها في الكلامِ، وكذلكَ الحالُ في قراءتِه، فإنَّها مخالفةٌ لكيفيَّةِ قراءتِهم لنثرِهم وشعرِهم، وإن وقع اشتراكٌ بين الكيفيَّتينِ، لكن كان له تميُّزهُ في طريقةِ قراءته.
٢ - أنَّ في علم التجويدِ مسائلَ تتعلَّقُ بعربيَّةِ القرآنِ؛ أي: أنَّه لا تقومُ قراءتُه بدونِها، وهي قسمان:
قسمٌ ليسَ فيه إلاَّ وجه واحدٌ؛ كمخارجِ الحروفِ وصفاتِها.
وقسم فيه وجهان أو أكثر عند القراءِ، كالإظهارِ والإدغامِ، والفتحِ والإمالةِ، والوقف على الهمزِ وعدمه، والسكت وعدمه، إلى غيرِ ذلكَ من المسائلِ التي تجدها في علم النَّحوِ، وهي من صميمِ علمِ التجويدِ.
٣ - أنَّ القراءة علمُ مشافهةٍ، ولذا لا يُمكن أخذُه من الصُّحفِ، فلو قرأت أنَّ فلانًا من القرَّاء يقرأ حرفًا ما بالإشمامِ أو بالرَّوم، فلا يمكنُ أن تعرفَ كيفيَّةَ تطبيقِ ذلك إلاَّ بأخذِها على معلِّمٍ شافَه شيخَه وتلقى عنه هذه الصِّفةَ من القراءةِ. وهذا مما ينبغي أن يُشكَرَ ويذكَرَ لعلماءِ التَّجويدِ والقراءةِ؛ لأنَّهم حفِظُوا طريقةَ نطقِ بعض الأمورِ الصَّوتيَّةِ التي لو لم تؤخذ بالمشافهة، لما عرفت كيفيَّةُ نُطقِها عندَ العربِ.
٤ - أنَّ الذين نقلوا حروفَه، وأُخِذَ عنهم هذا النقلُ، هم الذينَ نقلوا كيفيَّة أداء هذه الحروفِ، فكما قُبِلَ منهم نقلُ الحروفِ، يُقبلُ منهم نقلُ الأداءِ، وهو التَّجويدُ، الذي هو وصفٌ اصطلاحيٌّ لصفةِ القراءةِ النَّبويَّة للقرآنِ، بما ثبتت به الروايةُ من طريقِ القرَّاءِ.
٥ - أنَّ علم التجويدِ قد دخلَه الاجتهادُ، وذلك في أمرينِ:
الأول: التَّقسيماتُ والتَّعريفاتُ الاصطلاحيَّةُ، وهو في هذا ككلِّ العلومِ الإسلاميَّةِ.
الثاني: التَّقديراتُ والتَّحريراتُ؛ كتقديرِ حركاتِ المدِّ الفرعيِّ، أو تحرير الأوجه عند وصل السور.

<<  <   >  >>