قال أبو سليمان: قد أكثر الناس الكلام في هذا الباب قديمًا وحديثًا , وذهبوا فيه كل مذهب من القول , وما وجدناهم بعد صدروا عن رِي , وذلك لتعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن , ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته. فأما أن يكون قد يقبت في النفوس نقبة بكونه معجزًا للخلق ممتنعًا عليهم الإتيانُ بمثله على حال فلا موضع لها , والأمر في ذلك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر , من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى العرب قاطبة بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عنه وانقطعوا دونه. وقد بقى صلى الله عليه وسلم يطالبهم به مدة عشرين سنة , مظهرًا لهم النكير , زاريًا على أديانهم , مسفهًا آراءَهم وأحلامهم , حتى نبذوه وناصبوه الحرب فهلكت فيه النفوس , وأُريقت المهج, وقُطعت الأَرحام , وذهبت الأموال.
ولو كان ذلك في وسعهم وتحت أقدارهم لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة.