في وصف الخمر على معنى واحد فكان لأحدهما العلو , وكان للآخر السفل. أخبرني أبو رجاء الغنوي قال: أخبرني أبي قال: أخبرني عبدالله بن أبي سعد قال: حدثني أبو غسان مالك بن غسان المسمعي قال: حدثني هشام ابن أدهم المازني -وكان علامة - قال: دخل الشعبي على الأخطل فوجده ثملا وحوله لخالخ ورياحين , فقال: يا شعبي فعل الأخطل وذكر أمهات الشعراء , فقال الشعبي: بماذا يا أبا مالك؟ قال: بقوله:
وتظلُّ تنصفنا بها قرويةٌ ... إبريقها بِرقاعه ملْثُومُ
فإذا تعاورت الأكف زجاجها ... نفحت فنال رياحها المزكوم
من اللائي حُملنَ على الروايا ... كريح المسك تستلُّ الزكاما
فقال له الأخطل: من يقول هذا يا شعبي؟ , قال: الأعشى , قال: قدُّوس قدوس , فعل الأعشى , وذكر أمهات الشعراء. فتأمل أين منزلة أحدهما من الآخر , لم يزد الأخطل حين احتشد وافتخر على أن جعل رائحتها لذكائها تنفذ حتى تخلص إلى الرأس فينالها المزكوم , وجعلها الأغشى لحدتها وفرط ذكائها مستلة للزكام طاردة له , وقد طبت لدائه وتأيَّت لبرئه وشفائه.