الاستعارة , لأن مخرج الاستعارة مخرج ما العبارة [ليست] له في أصل اللغة.
وكل استعارة فلابد فيها من أشياء: مستعار ومستعار له , ومستعار منه. فاللفظ المستعار قد نقل عن أصل إلى فرع للبيان. وكل استعارة بليغة فهي جمع بين شيئين بمعنى مشترك بينهما يكسب بيان أحدهما بالآخر كالتشبيه , إلا أنه بنقل الكلمة والتشبيه بأداته الدالة عليه في اللغة. وكل استعارة حسنة فهي توجب بيان لا تنوب منابه الحقيقة , وذلك أنه لو كان تقوم مقامه الحقيقة , كانت أولى به , ولم تجز الاستعارة. وكل استعارة فلا بد لها من حقيقة , وهي أصل الدلالة على المعنى في اللغة كقول امرئ القيس في صفة الفرس:" قيد الأوابد " والحقيقة فيه: مانع الأوابد , وقيد الأوابد أبلغ وأحسن. كقولك: ميزان القياس , حقيقة تعديل القياس , والاستعارة فيه أبلغ وأحسن. فكل استعارة لا بد لها من حقيقة. ولا بد من بيان لا يفهم بالحقيقة. ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة على جهة البلاغة , قال الله عز وجل:{وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا} حقيقة قدمنا هنا عمدنا وقدمنا أبلغ منه لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من السفر , لأنه [عاملهم] من أجل إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم , ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم. وفي هذا تحذير من الاغترار بالإمهال , وبالمعنى الذي يجمعهما العدل , لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل , والقدوم أبلغ لما بينا. وأما هباء منثورا فبيان قد أخرج مالا تقع عليه الحاسة