الكلام بما توجبه الحكمة في الحال , فانتفى الغضب بالسكوت عما يكره , والمعنى الجامع بينهما الإمساك عما يكره. وقال تعالى:{ذرني ومن خلقت وحيدا} ذرني ها هنا مستعار , وحقيقته: ذر عقابي ومن خلقت وحيدا بترك مسألتي فيه , إلا أنه أخرج لتفخيم الوعيد مخرج ذرني وإياه لأنه أبلغ , وإن كان الله تعالى لا يجوز عليه المنع , وإنما صار أبلغ لأنه لا منزلة من العقاب إلا وما يقدر الله تعالى عليه منها أعظم. وهذا أعظم ما يكون من الزجر. وقال تعالى:{سنفرغ لكم أيها الثقلان} والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن , ولكن هذا أبلغ في الوعيد , وحقيقته سنعمد , إلا أنه لما كان الذي يعمد إلى شيء قد يقصر فيه لشغله بغيره معه , وكان الفارغ له هو البالغ في الغالب مما يجري به التعارف , دلنا بذلك على المبالغة من الجهة التي هي أعرف عندنا لما كانت بهذه المنزلة , ليقع الزجر بالمبالغة التي هي أعرف عند العامة والخاصة موقع الحكمة. وقال تعالى:{فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} , فمبصرة ها هنا استعارة , وحقيقتها مضيئة , وهي أبلغ من مضيئة , لأنه أدل على موقع النعمة , لأنه يكشف عن وجه المنفعة. قيل: هو بمعنى ذات إبصار وعلى هذا يكون حقيقة. وقال تعالى:{واشتعل الرأس شيبا}. أصل الاشتعال للنار وهو في هذا الموضع أبلغ. وحقيقته كثرة شيب الرأس , إلا أن الكثرة لما كانت تتزايد تزايدا سريعا صارت في الانتشار والإسراع كاشتعال النار .. وله موقع في البلاغة عجيب , وذلك أنه انتشر في الرأس انتشارا لا يتلافى كاشتعال النار. وقال تعالى:{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}. فالقذف