الناس في ذلك من جهة الطباع كاختلافهم في الصور والأخلاق. والسبب في التلاؤم تعديل الحروف في التأليف , فكلما كان أعدل كان أشد تلاؤما. وأما التنافر فالسبب فيه ما ذكره الخليل من البعد الشديد أو القرب الشديد وذلك أنه إذا بعد البعد الشديد كان بمنزلة الطفر , وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد , لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه , وكلاهما صعب على اللسان , والسهولة من ذلك في الاعتدال , ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال.
والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع , وسهولته في اللفظ , وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدلالة. ومثل ذلك مثل قراءة الكتاب في أحسن ما يكون من الخط والحروف , وقراءته في أقبح ما يكون من الحرف والخط , فذلك متفاوت في الصورة وإن كانت المعاني واحدة.
ومخارج الحروف مختلفة , فمنها ما هو من أقصى الحلق , ومنها ما هو من أدنى الفم , ومنها ما هو في الوسائط بين ذلك.
والتلاؤم في التعديل من غير بعد شديد أو قرب شديد. وذلك يظهر بسهولته على اللسان , وحسنه في الأسماع , وتقبله في الطباع , فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرهان في أعلى الطبقات ظهر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواهر الكلام , كما يظهر له أعلى طبقات الشعر من أدناها إذا تفاوت ما بينهما. وقد عم التحدي به للجميع لرفع الإشكال , وجاء على