وحسن البيان في الكلام على مراتب: فأعلاها مرتبة ما جمع أسباب الحسن في العبارة من تعديل النظم حتى يحسن في السمع ويسهل على اللسان وتتقبله النفس تقبل البرد , وحتى يأتي على مقدار الحاجة فيما هو حقه من المرتبة.
والبيان في الكلام لا يخلو من أن يكون باسم أو صفة أو تأليف من غير اسم للمعنى أو صفة , كقولك: غلام زيد , فهذا التأليف يدل على الملك من غير ذكر له باسم أو صفة , ودلالة الاشتقاق كدلالة التأليف في أنه من غير ذكر اسم أو صفة , كقولك: قاتل تدل على مقتول وقتل من غير ذكر اسم أو صفة لواحد منها , ولكن المعنى مضمن بالصفة المشتقة وإن لم تكن له. ودلالة الأسماء والصفات متناهية , فأما دلالة التأليف فليس لها نهاية , ولهذا صار التحدي فيها بالمعارضة لتظهر المعجزة , ولو قال قائل , قد انتهى تأليف الشعر حتى لا يمكن أحدا أن يأتي بقصيدة إلا وقد قيلت فيما قيل لكان ذلك باطلا , لأن دلالة التأليف ليس لها نهاية كما أن الممكن من العدد ليس له نهاية يوقف عندها لا يمكن أن يزاد عليها. والقرآن كله في نهاية حسن البيان , فمن ذلك قوله تعالى:{كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم} , فهذا بيان عجيب يوجب التحذير من الاغترار بالإمهال. وقال سبحانه:{إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} , وقال:{إن المتقين في مقام أمين} فهذا من أحسن الوعد والوعيد. وقال:{وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} فهذا أبلغ ما يكون من