لم يجده شيئا} فهذا بيان قد أخرج مالا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه , وقد اجتمعا في بطلان المتوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة , ولو قيل يحسبه الرائي ماء ثم يظهر أنه على خلاف ما قدر لكان بليغا , وأبلغ منه لفظ القرآن , لأن الظمآن أشد حرصا عليه وتعلق قلب به. ثم بعد هذه الخيبة حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد في االنار - نعوذ بالله من هذه الحال - وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه , فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة , وصحة الدلالة.
ومن ذلك قوله عز وجل:{مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء} فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه , فقد اجتمع المشبه والمشبه به في الهلاك وعدم الانتفاع والعجز عن الاستدراك لما فات , وفي ذلك الحسرة العظيمة والموعظة البليغة , ومن ذلك قوله عز وجل:{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} ثم قال: {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه , وقد اجتمعا في ترك الطاعة على وجه من وجوه التدبير وفي التخسيس؛ فالكلب لا يطيعك في ترك اللهث حملت عليه أو تركته , وكذلك الكافر لا يطيع بالإيمان على رفق ولا على عنف , وهذا يدل على حكمة الله سبحانه وتعالى في أنه لا يمنع اللطف. وقال تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو