مجراه بالضرورة، رغم أنوفهم، في لهجات الجماهير، تلك اللهجات التي تتفرع فروعاً لا حد لها ولا حصر، والتي تتسع كل يوم مسافةُ الخلف بينها وبين الفصيحة جدة جداتها اتساعا بعيداً هذا الاستكراه الذي يوجب على الناس تعلم العربية الفصحى كيما تصح قراءَتهم وكتابتهم، هو في ذاته محنة حائقة بأهل العربية، إنه طغيان وبغي، لأنه تكليف للناس بما هو فوق طاقتهم. ولقد كنا نصبر على هذه المحنة لو أَن تلك العربية الفصحى كانت سهلة المنال كبعض اللغات الأجنبية الحية، لكن تناولها من أشق ما يكون، وكلنا مؤمن بهذا، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، فلنذكر ببعض هذه المشقة".
هذا تعضُ قوله في اقتراحه، وما أظن عاقلا يُخْدَعُ بعد ذلك، فيصدق الباشا في ادّعائه أنه يريد المحافظة على العربية الفصحى، وهو يسخط عليها كل هذا السخط، ويندِّدُ بها كل هذا التنديد. بل يندد بالأمم المنفصلة سياسيا أن لم يدُرْ بخلد أَحدٍ من أَهلها أَن يجعل من لهجته لغة قائمة بذاتها لها نحوها وصرفها!!
فإن لم تكن هذه دعوةً صريحة إلى تمزيق العربية إلى لغات عدة "كما فعل الفرنسيون والإيطاليون والأسبان" فما ندري كيف تكون الدعوة، بل لا يدرى أحد من الناس!.