ثَالثًا: إذَا عَلِمْنا أنَّ عُلُوْمَ الغَايَةِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وأنَّ عُلُوْمَ الآلَةِ مِنْ الوَسَائِلِ، والحَالَةُ هَذِه كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّن، والفَسَادِ الوَاضِحِ أنْ نُغَلِّبَ جَانِبَ الوَسَائِلِ عَلَى المَقَاصِدِ، وإلَّا كنَّا مُغَالِينَ مُتكلِّفينَ!
* * *
ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُون رَحِمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ "المُقَدِّمةِ" (١/ ٦٢٢): "وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فيها إلَّا مِنْ حَيثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فيها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، صَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصيلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيلِ الجَمِيعِ عَلَى هَذِه الصوْرة، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيعًا للعُمُرِ وشُغُلًا بِمَا لا يُغْنِي!
وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ في صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فيها نَقْلًا واسْتِدْلالًا، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، ورُبَّما ذَكَرُوا مَسَائِلَ لا حَاجَةَ بِها في العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ في تَحْصِيلِ الوَسَائِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute