بهَذَينَ شَرًّا- فَكَمْ مِنْ مَعْصِيَةٍ جَلَبَهَا الشِّبَعُ وفُضُوْلُ الطَّعَامِ، وكَمْ مِنْ طَاعَة حَالَ دُوْنَها، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّ بَطْنِهِ فَقَدْ وُقِيَ شَرًّا عَظِيمًا، والشَّيطَانُ أعْظَمُ مَا يَتَحَكَّمُ مِنَ الإنْسَانِ إذَا مَلأ بَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ!
ثُمَّ قَالَ: ولَوْ لم يَكُنْ في التَّملِّي مِنَ الطَّعَامِ إلَّا أنَّه يَدْعُو إلى الغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وجَلَّ، وإذَا غَفَلَ القَلْبُ عَنِ الذِّكْرِ سَاعَةً وَاحِدَةً جَثَمَ عَلَيهِ الشَّيطَانُ ووَعَدَهُ ومَنَّاهُ وشَهَّاهُ، وهَامَ بِه في كُلِّ وَادٍ، فإنَّ النَّفْسَ إذا شَبِعَتْ تحَرَّكَتْ وجَالَتْ وطَافَتْ عَلى أبْوَابِ الشَّهَوَاتِ، وإذَا جَاعَتْ سَكَنَتْ وخَشَعَتْ وذَلَّتْ! " انْتَهَى.
وكَذَا يَقُوْلُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ الله في "صَيدِ الخَاطِرِ" (٤٥١): "فأمَّا التَّوَسُّع في المطَاعِمِ؛ فإنَّه سَبَبُ النَّوْمِ، والشِّبَعُ يُعْمِي القَلْبَ، ويُهْزِلُ البَدَنَ ويُضْعِفُهُ".
* * *
ومِنْ طَرِيفِ حَبْسِ النَّفْسِ عَنْ فُضُوْلِ الطَّعَامِ، وحَبْسِها عَلى مُلازَمَةِ العِلْمِ، مَا ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ الله في "صَيدِ الخَاطِرِ" (٢٧٨): أنَّ بَعْضَ الفُقَهَاءِ قَالَ: بَقِيتُ سِنِينَ اشْتَهِي الهَرِيسَةَ لا أقْدِرُ عَلَيها؛ لأنَّ وَقْتَ بَيعِهَا وَقْتَ سَماعِ الدَّرْسِ! " انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute