ذَلِكَ يَزِيدُ طَالِبَها تمَكُّنًا في مَلَكَتِه وإيضَاحًا لمِعانِيها المَقْصُوْدَةِ، وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فيها إلَّا مِنْ حَيثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فيها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، إذِ المَقْصُوْدُ مِنْها مَا هِي آلةٌ لَهُ لا غَيرُ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ؛ خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، وصَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، مَعَ مَا فيه مِنْ صُعُوْبَةِ الحُصُوْلِ عَلَى مَلَكَتِها بِطُوْلهِا وكَثْرَةِ فُرُوْعِها، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيلِ الجمِيعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرة، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيعًا للعُمُرِ وشُغُلًا بِمَا لا يُغْنِي!
وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ في صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأصُوْلِ الفِقْهِ، لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فيها نَقْلًا واسْتِدْلالًا، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، وصَيَّرَها مَقْصُوْدَةً بذَاتِها، ورُبَّما يَقَعُ فيها لذَلِكَ أنْظَارٌ ومَسَائِلُ لا حَاجَةَ بِها في العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فتكُوْنَ لأجْلِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ اللَّغْوِ، وهِيَ أيضًا مُضِرَّةٌ بالمُتَعَلِّمِينَ عَلَى الإطْلاقِ، لأنَّ المُتَعَلِّمِينَ اهْتِمَامَهُم بالعُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ أكْثَرُ مِنِ اهْتِمَامِهِم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute