بداية عصر النهضة والتقدم عند الأوروبيين وكيف كانت الحالة قبل ذلك:
ينبغي أن نذكر هنا كيف كانت الحال قبل النهضة ليعرف فضلها, ويتبين لكل ذي عينين الفرق الشاسع بين التقدميين والرجعيين الذين يصرون على تقديس العصور المظلمة على حد تعبير خصومهم.
قال جوزيف مكيب في كتابه (مدنية العرب في الأندلس) وقد ترجمته وعلقت عليه وطبع في بغداد سنة ١٣٦٩ هـ ١٩٥٠ م وسبب ترجمتي له أني كنت في غرناطة أثناء الحرب العالمية الأخيرة لأن الفرنسين نفوني من الأراضي التي كانت تحت أيديهم وهي القسم الأكبر, والقسم الذي كان بيد الأسبانيين كان ممتدا على شاطئ البحر الأبيض لا يزيد عرضه على (٥٠ميلا) وكنت ولا أزال مصابا بداء الربو أحتاج إلى البعد عن البحر.
وكان الطلبة المغاربة الذين يدرسون في جامعة غرناطة ملتفين حولي, مترددين على زيارتي وكان الأساتذة الإسبانيون الذين يعلمونهم لا ذمة لهم ولا أمانة وذلك شأن أكثر الأساتذة في البلاد التي تنعدم فيها الحرية ويسود فيها الاستبداد, فكانوا يفترون على التاريخ ويزعمون أن المسلمين الفاتحين للأندلس من الشرقيين والمغربيين كانوا سيئ الأخلاق جهالا عتاة وكان حكمهم جائرا قاسيا, فمحوا كل خلق كريم من الشعب الإسباني وعلموه مساوئ الأخلاق فكل خلق سيء مرذول يوجد في الشعب الإسباني هو من آثار الحكام المسلمين, وكنت قد اطلعت على كتابين ألفهما في تاريخ المسلمين في إسبانيا المؤلف الإنكليزي الشهير الذائع الصيب (جوزيف مكيب) أحدهما كبير والآخر صغير فعمدت إلى الصغير فترجمته بالعربية ليكون سلاحا بيد الطلبة المغاربة وغيرهم من المسلمين يواجهون به كل عدو جاحد مكابر.
وهذا المؤلف عدو للأديان كلها وقد ذكرت له ترجمة واسعة في أول الكتاب إلا أن طعنه في الإسلام أقل وأخف من طعنه في النصرانية, لأن علماء شعبه الذين يرد عليهم من الإنكليزيين وسائر الأوروبيين كلهم نصارى وقد أستثقل تفاحش قوله وشتائمه للنصارى ولكني أضطر إلى نقلها إذا كانت ممزوجة