أحدها: أن يكون الحديث لا يُروى إلا من وجه واحد (وهو عندهم الغريب سندًا ومتنًا) ثم مثله بمثالين، وهما في الحقيقة نوعان: أحدهما: أن يكون ذلك الإسناد لا يروى به إلا ذلك الحديث أيضًا، وهذا مثل حديث حماد بن سلمة، عن أبي العُشراء الدارمي، عن أبيه، عن النبي ﷺ في الزكاة. فهذا حديث غريب لا يُعرف إلا من حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، ثم اشتهر عن حماد ورواه عنه خلق، فهو في أصل إسناده غريب، ثم صار مشهورًا عن حماد. قال الترمذي: ولا يُعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث. وقد خرج الترمذي في كتاب الصيد والذبائح هذا الحديث، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا يُعرف لأبي العشراء عن أبيه غيره. ولم يقل: إنه حسن، لما ذكر ها هنا أن شرطه في الحسن أن يُروى نحوه من غير وجه، وهذا ليس كذلك، فإنه لم يروَ في الذكاة في غير الحلق واللَّبَّة إلا في حال الضرورة غيره. النوع الثاني: أن يكون الإسناد مشهورًا يروى به أحاديث كثيرة، لكن هذا المتن لم تصح روايته إلا بهذا الإسناد، ومثَّله الترمذي بحديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ﷺ في النهي عن بيع الولاء وهبته، فإنه لا يصح عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه، ومن رواه من غيره فقد وهم وغلط، وقد خرجه الترمذي في كتاب البيوع، وهو معدود من غرائب الصحيح فإن الشيخين خرجاه، ومع هذا فتكلم فيه الإمام أحمد وقال: لم يُتابع عبد الله بن دينار عليه، وأشار إلى أن الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: "الولاء لمن أعتق" لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته. =