أحدُها: أنَّكَ إذا جعلتَ هذا معنَى المعلولِ لم يكُنْ في دليلِكَ ما يَنفي هذا؛ لأنَّكَ قلتَ: لا يجوزُ أنْ تكونَ الماهيّةُ أو صفةٌ مِنْ صفاتِها سببًا للوجودِ؛ لأنَّ العِلّةَ متقدِّمة بالوجودِ على المعلول، ولو كانَتْ إحداهُما أو كلاهُما عِلّةً للوجوبِ لزِمَ أحدُ المحالينِ" إمّا كونُ الشَّيء متقدِّمًا بالوجودِ على نفسِه، وإمّا كونُهُ موجودًا مرَّتين، وذلكَ أنَّ العِلّةَ إذا كانَتْ متقدِّمةً بالوجودِ على المعلول، والتَّقديرُ أنَّ الوجودَ الواجبَ معلولٌ، لزِمَ أنْ يكونَ وجودُ الماهيّةِ متقدِّمًا على الوجودِ الواجب، فإنْ كانَ وجودُ ماهيّةِ الواجبِ غيرَ الوجودِ الواجبِ؛ لزِمَ أنْ يكونَ للواجبِ وجود بائنٌ، وإنْ كانَ هوَ إيّاهُ لزِمَ أنْ يكونَ وجودُهُ قبلَ وجودِه، فيكونُ متقدِّمًا على نفسِه، فهذا تقديرُ ما ذَكرَهُ السّائلُ، وهوَ كلامٌ صحيحٌ في بيانِ امتناعِ أنْ يكونَ للوجود الواجبِ موجِبٌ لهُ فاعِل لهُ، أو مقتضٍ لهُ، أو علّة فاعليّة لهُ، ونحو ذلكَ مِنَ الأسماءِ التي يُعبَّرُ بها عَنِ المقصودِ هنا، ولكنَّ هذهِ الحُجّةَ لا تَنفي أنْ يكونَ للوجودِ الواجبِ لوازمُ لا يَتَحَقَّقُ إلَّا بها، وهيَ شروط لهُ لا يتحقَّقُ الوجودُ الواجبُ إلّا بها؛ فإنَّ اللَّوازمَ والشُّروطَ لا يجمبُ أنْ تتقدَّمَ على الملزومِ والمشروطِ بالوجود، بَلْ يجوزُ أنْ تقارنَهُ، سواء عُلِمَ أنَّها شروط بالعقلِ أو بالشَّرعِ؛ كاشتراطِ الحياةِ للعِلمِ والقُدرة، والممتراطِ العِلمِ للإرادة، واشتراطِ الذّاتِ للصِّفات، وكاشتراطِ كونِ المكلَّفِ عالِمًا قادرًا ونحوِ ذلكَ.
وحيثُ وجبَ على العَبدِ أنْ يحصِّلَ الشُّروطَ قبلَ الفِعلَ، كما يجبُ عليهِ أنْ يتطهَّرَ قبلَ الصَّلاة، أو يستقبلَ القِبلةَ، فالشَّرطُ في نفسِ الأمرِ ما يقارنُ الصلاةَ، وأمّا ما يتقدَّمُها فإنَّما أتى به، لأنَّهُ لا يمكنُهُ أنْ يأتيَ بهِ مقارنًا، فصارَ مِنْ بابِ "ما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا بهِ"، وأمّا ما يسمِّيهِ النَّحْويُّونَ شرطًا وجزاءً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute