فذلكَ اصطلاحٌ آخرُ؛ فإنَّ الشَّرطَ هناكَ مُستلزِمٌ للمشروط، يَلزَمُ مِنْ وجودِهِ وجودُهُ، فما سمَّتهُ النُّحاةُ شروطًا، وهوَ في المعنى عِلَلٌ ملزومةٌ ليسَتْ مِنْ هذا الباب، وحينئذٍ فإذا كانَتِ الماهيّةُ شرطًا لازمًا لم يجبْ أنْ تكونَ متقدِّمةً عليهِ بالوجود، وإذا لم تكُنْ متقدِّمةً عليهِ بالوجود، وكانَ وجودُها وجودَها، لم يَلزَمْ أنْ يكونَ الشَّيءُ متقدِّمًا بالوجودِ على نفسِه، واعتبر ذلكَ بالماهيّةِ الممكِنةِ على رأيِ هؤلاءِ المتفلسِفةِ المشّائينَ أتباعِ أرِسطو؛ كابنِ سِينا وذويه، فإنَّها عندَهم لا تنْفَكُّ عَنْ وجودِها في الخارج، كما لا ينفَكُّ وجودُها عنها، ولا يقولونَ: إنَّها عِلّة لوجودِها ولا متقدِّمةٌ عليهِ بالوجود، بَلْ هيَ ووجودُها عندَهم متلازمانِ كما يقولونَ مثلَ ذلكَ في المادّةِ والصُّورة، فهُم إذا قالوا في الماهيّةِ الواجبةِ مثلَ قولِهم في الممكنةِ كما اختارَهُ مَنْ وافقَهم على قولِهم في الممكنة، مثلُ أبي عبد الله بنِ الخَطيبِ وأمثالِه، كانَ قولُ ابنِ الخطيبِ وأمثالِهِ خيرًا مِنْ قولِهم، والأمرُ كذلكَ؛ إذْ هوَ أقربُ منهم إلى الإسلامِ والسُّنّة، ففي الجُملةِ ما ذكروهُ مِنَ الدَّليلِ إنَّما ينفي أنْ يكونَ وجوبٌ قبلَ وجودِه، أو وجودُهُ مكرَّرًا، وذلكَ إنَّما يكونُ إذا قيلَ: وجودُهُ عِلَّةٌ لهُ موجودةٌ، فإذا لَم يقدّرْ قبلَ وجودِهِ عِلّة لوجودِهِ زال هذا المحذورُ، ولله الحمدُ.
والشُّروطُ واللَّوازمُ لا يجبُ أنْ تتقدَّمَ المشروطَ الملازِمَ، كما في ماهيّةِ الممكناتِ ووجودها، وكما في المادّةِ والصُّورة، وكما في الصِّفاتِ اللّازمةِ معَ الموصوفِ؛ كالحيوانيّةِ والإنسانيّة، بَلْ والضّاحكيّةِ معَ الإنسانِ؛ فإنَّ وجودَ كُلٍّ منهُما شرطٌ في الآخرِ ولازمٌ لهُ، ولا يجبُ أنْ يتقدَّمَ وجودُهُ على وجودِه، بخلافِ ما لو جعلَ أحدُهما علَّةً فاعليَّةً للآخرِ؛ فإنَّ هذا يكونُ ممتنِعًا.