للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتَنَوَّرْتُ نارَها من بعيدِ

وقال امرؤ القيس (١):

فتنوَّرتُها من أذرعاتٍ وأهلُها ... بيثربَ أدنى دارِها نظرٌ عالِ

قال الرادّ: هذا الذي حكى هو قول أبي العباس ثعلب. وقد أنشد أبو تمَّام في (الحماسة) ما يدلّ على خلاف ما قال هو وثعلب. والشعر لعُبَيد بن قُرْط الأسدي، وكان دخل الحضرة مع صاحبين له، فأحبَّ صاحباه دخول الحمَّام، فنهاهما عن ذلك فأَبيا إلَّا دخوله، ورأيا رجلًا يتنوَّر فسألاه عنه، فأخبر بخبر النُورة، فأحبا استعمالها فلم يحسنا وأحرقتهما النُّورة، وأضرَّتْ بهما. فقال عُبَيْد (٢):

لعمري لقد حذَّرْت قُرْطًا وجارَهُ ... ولا ينفعُ التحذيرُ من ليسَ يحذرُ

نهيتُهما عن نُورةٍ أحرقَتْهما ... وحمَّامِ سَوْءٍ ماؤهُ يتسَعَّرُ

فما منهما إلَّا أتاني مُوَقَّعًا ... به أَثَرٌ من مَسِّها يتقشَّرُ

أجِدَّكُما لم تعلما أنَّ جارنا ... أبا الحسْلِ بالبيداءِ لا يتنوَّرُ

ولم تعلما حمَّامَنا ببلادِنا ... إذا جَعَلَ الحِرْباء في الجِذْلِ يخطرُ

قال الرادّ: وعامَّةُ زماننا يقولون: تنوَّرَ، إذا حلق عانَتَهُ بالموسى. والصواب: أنْ يُقال: استحدَّ، واستعان، إذا فعل ذلك.

فأمَّا تنوَّر فلا يُقال إلَّا في استعمال النُّورَةِ، وفي النظر إلى النارِ،


(١) ديوانه ٣١.
(٢) الحماسة ٢/ ٤٥٣. والقصة بتمامها مع الأبيات في الاقتضاب ١/ ١١٥ - ١١٦. والبيت الثالث سقط من المطبوع.

<<  <   >  >>