شتان ما حالي وحالك أنت في ... غرفِ الجنان ومهجتي في النار
خفّ النجا بك يا بنيّ إلى السرى ... فسبقتني وثقلتُ بالأوزار
ليت الرّدى إذ لم يدعك أهاب بي ... حتى ندوم معاً على مضمار
ليت القضا الجاري تمهل وِرده ... حتى حسبت عواقب الإصدار
ما كنت إلا مثل لمحة بارق ... ولى وأغرى الجفن بالإمطار
أبكيك ما بكت الحمامُ هديلها ... وأحنّ ما حنت إلى الأوكار
أبكي بمحمرِّ الدّموع وإنما ... تبكي العيون نظيرها بنضار
قالوا صغيراً قلت إنَّ وربما ... كانت به الحسرات غير صغار
وأحقّ بالأحزان ماض لم يسيء ... بيدٍ ولا لسنٍ ول إضمار
نائي اللقا وحماه أقرب مطرحاً ... يا بعد مجتمع وقرب مزار
لهفي لغصن راقني بنباته ... لو أمهلته التربُ للإثمار
لهفي لجوهرةٍ خفت فكأنني ... حجبتها من أدمعي ببحار
لهفي لسار حار فيه تجلدي ... وا حيرتي بالكوكب السيَّار
سكن الثرى فكأنه سكن الحشا ... من فرط ما شغلت به أفكاري
أعزِز عليّ بأن ضيف مسامعي ... لم يحظَ من ذاك اللسان بقاري
أعزز عليّ بأن رحلت ولم تخض ... أقدام فكرك أبحر الأشعار
أعزز عليّ بأن رفقت على الردى ... وعليك من دمعي كدّر نثار
أبنيّ إن تكسَ التراب فإنه ... غايات أجمعنا وليس بعار
ما في زمانك ما يسّر مؤملاً ... فاذهب كما ذهب الخيال الساري
لو أن أخباري إليك توصلت ... لبكيتَ في الجنات من أخباري
أحزان مدّكرٍ ووحشةُ مفردٍ ... ومقام مضيعة وذلّ جوار
أبنيّ إني قد كنزتك في الثرى ... فانفع أباك بساعة الإقتار
أبنيّ قد وقفت عليّ حوادثٌ ... فوقفنَ من طلل على آثار
ومضى البياض من الحياة وطيبها ... لكنها أبقته فوق عذاري
نمْ وادعاً فلقد تقرح ناظري ... سهراً ونامت أعينُ السمار
أرعى الدّجى وكأنَّ ذيل ظلامه ... متشبثٌ بالنجم في مسمار