للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: تقسيم الوقت وتنظيمه

يحث النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأمة على الاهتمام بتنظيم الوقت وتوجيهه لمعالي الأمور في الحياة الخاصة والعامة، فيقول فيما يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألم أُخْبَر أنّك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى. قال: فلا تفعل، قم ونم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لِزَورِكَ (١) عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً» (٢) . ومن الأولى بالمسلم ألاَّ يخل بهذه الموازنة، بل الواجب عليه أن يوزع وقته للوفاء بهذه الحقوق جميعها، دون أن يطغى جانب منها على الآخر، ولا يخفى أن المقصود هنا ليس توزيع الوقت بين هذه الحقوق بالتساوي، إنما المراد التسديد في ذلك والمقاربة في الوفاء بها جميعاً قدر الاستطاعة.

ومما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صحف إبراهيم عليه السلام قوله: «على العاقل - مالم يكن مغلوباً على عقله- أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب» (٣) .

ومن حُسن تنظيم الوقت أن يُجعل فيه جزء للراحة والترويح، فإن النفس تسأم بطول الجِدِّ، والقلوب تَمَلُّ كما تملّ الأبدان، فلا بد من قَدْر من الترفيه المباح، فعن حنظلة الأُسَيِّدي رضي الله عنه أنه دخل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يارسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا (٤) الأزواج والأولاد والضَّيْعات فنسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكْر،


(١) لزورك: الزّور الأضياف والزوار. انظر: (ابن حجر، فتح الباري، مرجع سابق، ج ١١ ص٥٤٨) .
(٢) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (٧٨) ، باب (٨٤) ، رقم الحديث (٦١٣٤) ، ص ١١٨٣. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، مرجع سابق، كتاب (١٣) ، باب (٣٥) ، رقم الحديث (١١٥٩) ، ج٢ ص ٨١٤.
(٣) ابن بلبان، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ت٧٣٩هـ، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٣، ١٤١٨هـ-١٩٩٧م، ١-١٨، رقم الحديث (٣٦١) ، ج٢ ص ٧٨. والبيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، مرجع سابق، باب (٣٣) ، رقم الحديث (٤٦٧٧) ، ج٤ ص ١٦٤. والحديث لا يثبت مرفوعًا.
(٤) عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات: أي خالطناهم، قال في القاموس: تعافسوا: تعالجوا في الصراع، والمعافسة المعالجة. انظر: (الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب ٧٢٩ - ٨١٧ هـ، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م، ص ٧٢٠، باب السين، فصل العين) .

<<  <   >  >>