للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما قال: "على سائر الكواكب" ولم يقل: على سائر النجوم؛ لأنّ الكواكب هي التي لا تسير ولا يهتدى بها، فهي بمنزلة العابد الذي نفعه مقصور على نفسه، وأما النجوم فهي التي يهتدى بها كما قال تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (١).

وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (٢).

فكذلك مَثَّلَ العلماء من أمته بالنجوم في الحديث الذي سبق ذكره.

وكذلك روي عنه أنّه قال: "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ؛ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ" (٣).

وقد قيل: إن القمر إنما يستفيد نوره من ضوء الشمس، كما أن العالم نوره مقتبس من نور الرسالة، فلذلك شبه بالقمر ولم يشبه بالشمس.

ولما كان الرسول سراجًا منيرًا، يشرق نوره على الأرض، كان العلماء ورثته وخلفاؤه مشبهين بالقمر عند تمام نوره وإضاءته.

وفي "الصحيح" (٤) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَوَّلُ زُمْرَةٍ يدخلون الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لأَِهْلِ الأَرْضِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلَونَهُمْ عَلَى أَضْوَأ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ".

ولا يبعد-والله أعلم- أن العلماء الربانيين من الزمرة الأولى، كما كانوا في الدنيا بمنزلة القمر ليلة البدر لأهل الأرض، وقد يشاركهم في ذلك المبرزون من العباد ولا سيما من انتفع الناس باستماع أخبارهم، ورقت القلوب عند ذكرهم، وحنت إلى اقتفاء آثارهم، وأما الزمرة الثانية فهم عموم العباد.

ولما مات الأوزاعي، وكان إمام أهل الشام فى العلم مع شدة عبادته وكثرة


(١) النحل: ١٦.
(٢) الأنعام: ٩٧.
(٣) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩١) وحكم عليه الشيخ ناصر الألباني -رحمه الله - في "السلسلة الضعيفة" برقم (٥٨) بالوضع.
(٤) أخرجه البخاري (٣٣٢٧)، ومسلم (٢٨٣٤) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>