للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأحوال العارفين كلها تدل على أنّهم لم يكونوا يلتفتون إلى هذه الخوارق وإنما كان اهتمامهم بمعرفة الله وخشيته، ومحبته والأنس به، والشوق إلى لقائه وطاعته، والعلماء الربانيون [يشاركون] (١) في ذلك ويزيدون عليهم بالعلم بأمر الله وبدعوة الخلق إلى الله.

وهذا هو الفضل العظيم عند الله وملائكته ورسله كما قال بعض السلف: مَنْ عَمِلَ وَعَلِمَ وَعَلَّمَ فَذَلِكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ.

وإذا ظهر فضل العالم على العابد، فإنما المراد تفضيله على العابد بعلم، فأما العابد بغير علم؛ فإنه مذموم.

ولهذا شبهه السلف بالسائر على غير طريق، وبأنه يفسد أكثر مما يصلح.

وبأنه كالحمار في الطاحون، يدور حتى يهلك من التعب ولا ييرح من مكانه.

وهذا أشد ظهورًا ووضوحًا من أن يحتاج إلى بسط القول فيه.

ولنضرب هاهنا مثلاً جامعًا لأحوال الخلق كلهم، بالنسبة إلى دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وانقسامهم في إجابة دعوته إلى: سابق، ومقتصد، وظالم لنفسه، وبه يظهر فضل العلماء الربانيين على غيرهم من الناس أجمعين، فنقول:

مثل ذلك كمثل رسول قدم من بلد الملك الأعظم فأدى رسالة الملك إلى سائر البلدان، وظهر لهم صدقه في رسالته، فكان مضمون رسالته التي أداها عند الملك الأعظم إلى رعيته:

أن هذا الملك لا إحسان أتم من إحسانه، ولا عدل أكمل من عدله، ولا بطش أشد من بطشه، وأنه لابد أن يستدعي الرعية كلهم إِلَيْهِ ليقيموا عنده، فمن قدم عليه بإحسان جازاه بإحسانه أفضل الجزاء، ومن قدم عليه بإساءة جازاه بإساءته أشد الجزاء، وأنه يحب كذا وكذا، ويكره كذا وكذا، ولم يدع شيئًا مما تعمله الرعية إلا أخبرهم بما يحبه الملك منه وبما يكره، وأمرهم


(١) في المطبوع: يشاركونهم.

<<  <   >  >>