للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا أيضاً يعظم في نفوس كثير من الناس ذكر الخوارق والكرامات، ويرونها أفضل مما أعطيه العلماء من المعرفة والعلم، وإنما يتصورون حقيقة الخوارق؛ لأنها من جنس القدرة والسلطان في الدنيا، الَّذِي يعجز أكثر الناس عنه.

وأما العلماء بالله فلا تعظم هذه الخوارق عندهم؛ بل يرون الزهد فيها، وإنها من نوع الفتنة والمحنة وبسط الدنيا على العبد، فيخافون من الاشتغال بها والوقوف معها، والانقطاع عن الله عز وجل.

وقد ذكر أبو طالب المكي هذا المعنى فى كتابه عن كثير من العارفين منهم أبو يزيد، ويحيى بن معاذ، وسهل [التستري] (١)، وذو النون، [والجنيد] (١) وغيرهم.

وقيل لبعضهم: إن فلانًا يمشي على الماء! فَقَالَ: "مَنْ أَمْكَنهُ اللهُ مِنْ مُخَالَفَةِ هَوَاهُ فَهُوَ أَفْضَلُ".

وكان أبو حفص النيسابوري يومًا جالسًا مع أصحابه خارج المدينة، وهو يتكلم عليهم، فطابت أنفسهم فجاء أيل (٢) قد نزل من الجبل حتى برك بين يديه، فبكى بكاءً شديدًا وانزعج، فسئل عن سبب بكائه، فَقَالَ: رأيت اجتماعكم حولي وقد طابت قلوبكم، فوقع في قلبي، لو أن لي شاة ذبحتها ودعوتكم، فما تحكم هذا الخاطر حتى جاء هذا الوحش فبرك بين يدي، فخيل لي أني مثل فرعون، الَّذِي سأل ربه أن يجري له النيل فأجراه له، قلت: فما يؤمنني أن يكون الله يعطني كل حظ في الدنيا، وأبقى في الآخرة فقيرًا لا شيء لي، فهذا الَّذِي أزعجني.


(١) من المطبوع.
(٢) الأيْل، الذكر من الأوعال.
قال الخليل: وإنما سُمي أَيْلاً؛ لأنّه يئول إلى الجبال. "اللسان" مادة: (أول).
والوعل: تيس الجبل. "اللسان" مادة: (وعل).

<<  <   >  >>