للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رفع إِلَى بعض العابدين رقعة في منامه وإذا فيها مكتوب:

إن كنت لا ترتاب أنك ميت ... وليست لبعد الموت ها أنت تعمل

فعمرك ما يغني وأنت مفرط ... واسمك في الموتى معد محصل

ورأى آخر في منامه كأن قائلًا ينشده:

يا خدّ إنك إِن توسد لينا ... وسدت بعد الموت صم الجندل

فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً ... فلتندمن غدًا إذا لم تفعل

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى":

هذه الثلاث المنجيات التي رويت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات" فذكر المنجيات هذه الخصال الثلاث.

والمهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.

وروي أن سليمان عليه السلام قال: أوتينا مما أوتي الناس، ومما لم يؤتوا، وعلمنا مما علم الناس، ومما لم يعلموا، فلم نجد شيئًا أفضل من هذه الثلاث خصال.

وقال نافع بن سليمان: قال عيسى بن مريم عليه السلام: ثلاث من كن فيه بلغ ما بلغت: تقوى الله في السر والعلانية، والعدل في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر.

فأما خشية اللَّه في الغيب والشهادة فالمعنى بها أن العبد يخشى اللَّه سرًّا وإعلانًا وظاهرًا وباطنًا، فإن أكثر الناس يرى أنه يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن في خشيته الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس، وقد مدح الله من يخافه بالغيب، قال تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} (١) وقال: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} (٢) وقال تعالى: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} (٣) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (٤).


(١) الأنبياء: ٤٩.
(٢) ق: ٣٣.
(٣) المائدة: ٩٤.
(٤) الملك:١٢.

<<  <   >  >>