للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد فسر الغيب في هذه الآيات بالدنيا لأنّ أهلها في غيب عما وعدوا به من أمر الآخرة، وأما في هذا الحديث فلا يتأتى ذلك، كما ترى لمقابلته بالشهادة.

كان بعض السلف يقول لإخوانه: زهدنا الله وإياكم في الحرام زهادة من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه.

ومن هذا قول بعضهم: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، إِنَّمَا الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه، ومن هنا عظم ثواب من أطاع الله سرًّا بينه وبينه، ومن ترك المحرمات التي يقدر عليها سرًّا.

فأما الأول: فمثل قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إِلَى قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (١).

قال بعض السلف: أخفوا للَّه العمل فأخفى لهم الجزاء.

وفي حديث السبعة الَّذِي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُهُ» (٢).

وفي الحديث: إِذا صلى العبد في العلانية فأحسن وصلى في السر فأحسن، قال اللَّه: هذا عبدي حقًّا (٣).

وفي حديث آخر: "مَنْ أَحْسَنَ صَلَاتَهُ حِيثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَأَسَاءَهَا حِيثُ لاَ يَرَاهَا فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ" (٤).

وأما الثاني: فمثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إِلا ظله "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ


(١) السجدة: ١٦ - ١٧.
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٩، ١٣٥٧، ٦١١٤)، ومسلم (١٠٣١).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٤٢٥٣).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٣٧٣٨).

<<  <   >  >>