وفي المثل المضروب أنَّ الكلب قال للأسد: يا سيد السباع، غيِّر اسمي؛ فإنه قبيح. فَقَالَ له: أنت خائن، لا يصلح لك غير هذا الاسم. قال: فجرّبنى. فأعطاه شقة لحم، وقال: احفظ لي هذه إِلَى غد وأنا أغيِّر اسمك.
فجاع، وجعل ينظر إِلَى اللحم ويصبر. فلما غلبته نفسُه قال: وأي شيء أعمل باسمي، وما كلب إلا اسم حسن فأكل.
والمُراد بهذا المثل أنَّ من لم يزجره علمُه عن القبيح صار القبيحُ عادة له، ولم يؤثر فيه علمُه شيئًا، فيصير حالُه كحال الكلب اللاهث؛ فإنَّه إنْ طرد لهث وإنْ تُرك لهث، فالحالتان عنده سواء.
وهذا أخسُّ أحوال الكلب وأبشعها، فكذلك مَن يرتكب القبائح مع جهله ومع علمه، فلا يؤثر علمُه شيئًا؛ ولذلك مثل مَن لا يرتدع عن القبيح بوعظ ولا زجر ولا غيره، فإنَّ فعل القبيح يصير عادةً، ولا ينزجر عنه بوعظ ولا تأديب ولا تعليم؛ بل هو متبعٌ للهوى عَلَى كل حال، فهذا كل من اتبع هواه، ولم ينزجر عنه بوعظ ولا غيره.
وسواء كان الهوى المتُبَع داعيًا إِلَى شهوة حسية، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، أو إِلَى غضب وحقدٍ وكبر وحسد، أو إِلَى شُبهة مضلة فى الدين.
وأشد ذلك حال من اتبع هواه فى شبهة مضلة، ثم من اتبع هواه في غضب وكبر وحقد وحسد، ثم من اتبع هواه في شهوة حسية.