وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - نوعان: أمر ظاهر يعمل بالجوارح، كالصلاة والصيام والحج والجهاد ونحو ذلك، وأمر باطن يقوم به القلب، كالإيمان بالله ومعرفته، ومحبته وخشيته، وإجلاله وتعظيمه، والرضا بقضائه والصبر عَلَى بلائه، فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عرف الكتاب والسنة، ومن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا نقتدي به في علمنا، فمن تكلم عَلَى شيء من هذا مع جهله بما جاء به الرسول فهو داخل فيمن يفتري عَلَى الله الكذب، وفيمن يقول عَلَى الله ما لا يعلم، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفه ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل ينتقص به وقال: أنا وارث حال الرسول، والعلماء وارثون علمه، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب عَلَى الله، والتكذيب بالحق لما جاءه {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}(١) فإن هذا متكبر عَلَى الحق والانقياد له، منقاد لهواه وجهله، ضال مضل، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله ثم اتبعه، فأما من لا علم له بحاله، فمن أين يكون وارثه؟!
ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد، وإنما ظهر هذا في زمن قل فيه العِلْم وكثر فيه الجهل، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من يبين للأمة ضلاله، وله نصيب من الذل والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
يا لله! العجب لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدُّنْيَا -ولم يعرفه الناس بها، ولا شاهدوا عنده آلاتها- لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه عَلَى أموالهم، ولم يمكنوه من تلك الصناعة، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما شوهد قط يكتب علم الرسول، ولا يجالس أهله ولا يدارسه؟! فللَّه العجب، كيف يقبل أهل العقول دعواه ويحكمونه في أديانهم يفسدها بدعواه الكاذبة.