للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن كنت تنوح يا حمام البان ... للبين فأين شاهد الأحزان

أجفانك للدموع أم أجفاني ... لا يقبل مدع بلا برهان

ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك ما كان عليه من مجاهدة أعداء الله؛ فمن سلك سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد عز، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل. وقد سبق حديث: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ مِنْ رِقَابِكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (١) ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سكة الحرث فَقَالَ: "ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذل" فمن ترك ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدُّنْيَا من وجوهها المباحة حصل له من الذل، فكيف إذا اشتغل عنه الجهاد بجمع الدُّنْيَا من وجوهها المحرمة؟!

قول - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» هذا يدل عَلَى أمرين:

أحدهما: النهى عن التشبه بأهل الشر مثل أهل الكفر والفسوق والعصيان، وقد وبخ الله من تشبه بهم في شىء من قبائحهم فَقَالَ تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (٢).

وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بالمشركين وأهل الكتاب، فنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعلل بأنه "حينئذ يسجد لها الكفار" فيصير السجود فى ذلك الوقت تشبهًا بهم في الصورة الظاهرة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» (٣) وفي رواية عنه - صلى الله عليه وسلم -: «غَيِّرُوا


(١) تقدم تخريجه.
(٢) التوبة: ٦٩ وذكر في الأصل: {فاستمتعوا بخلاقهم} فقط وأثبتنا بقية الآية وفيها موضع الشاهد.
(٣) البخاري (٥٨٩٩)، ومسلم (٢١٠٣) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>