قيل: أولاً: هذا لا يُعلم وجودُه الآن، وإن فُرض وقوعه الآن وسُلّم جوازُ اتباعه والانتساب إِلَيْهِ، فإنَّه لا يجوز ذلك إلا لمن أظهر لانتساب إِلَيْهِ والفتيا بقوله والذبَّ عن مذهبه.
فأمَّا من أظهر الانتساب إِلَى بعض الأئمة المشهورين، وهو في الباطن منتسبٌ إِلَى غيرهم معتقدٌ لمذهب سواه، فهذا لا يسوغ له ذلك البتة، وهو من نوع النفاق والتقية، ولاسيما من أخذ الأموال المختصة بأصحاب ذلك الإمام المشهور من الأوقاف أو غيرها.
أو لبَّس عَلَى النَّاس، فأوهمهم أنَّ ما يُفتي به من مذهب من ينتسب إِلَيْهِ في الباطن هو مذهب ذلك الإمام المشهور.
فهذا غير سائغ قطعًا، وهو تلبيس عَلَى الأمة وكذبٌ عَلَى علماء الأمة.
ومن نسب إِلَى أئمة الإسلام ما لم يقولوه، أو ما عُلم أنَّهم يَقُولُونَ خلافه فإنه كاذبٌ يستحق العقوبة عَلَى ذلك.
وكذلك إِن صنَّف كتابًا عَلَى مذهب إمام معيَّن؛ وذكر فيه ما يعتقده من قول من ينتسب إِلَيْهِ في الباطن من غير نسبته إِلَى قائله.
وكذلك لو كان الكتاب المصنَّف لا يختص بمذهب معينٌ، إلا أن مصنَّفه في الظاهر ينتسب إِلَى مذهب إمام معين وفي الباطن إِلَى غيره. فيذكر فيه أقوال من ينتب إِلَيْهِ باطنًا، من غير بيان لمخالفتها لمذهب من ينتسب إِلَيْهِ ظاهرًا.
فكلُّ هذا إيهامٌ وتدليس غير جائز، وهو يقتضي خلط مذاهب العُلَمَاء واضطرابها.
فإن ادعى مع ذلك الاجتهاد كان أدهى وأمر، وأعظم فسادًا وأكثر عنادًا؛ فإنَّه لا يسوغ ذلك مطلقًا إلا لمن كمُلت فيه أدواتُ الاجتهاد: من معرفة الكتاب والسنة، وفتاوى الصحابة والتابعين، ومعرفة الإجماع والاختلاف، وبقية شرائط الاجتهاد المعروفة.