وعلى تقدير تسليمه؛ فهذا إِنَّمَا يقع نادرًا، ولا يطلع عليه إلا مجتهد وصل إِلَى أكثر مما وصلوا إِلَيْهِ، وهذا أيضًا مفقود أو نادر.
وذلك المجتهدُ عَلَى تقدير وجوده: فرضُه اتباع ما ظهر له من الحق، وأما غيره ففرضُه التقليد.
وتقليد هؤلاء الأئمة سائغٌ بلا ريب، ولا إثم عليهم، ولا من قلّدهم ولا بعضهم.
{إِن قيل:}(١) فهذا يُفضي إِلَى اتباع الأئمة عَلَى الخطأ. {قيل:}(١) لا يقول القول الحق {جميع الخلق}(١) لابُد أن يكون مذمومًا به أحد من {المخالفين}(١).
فلم يتفق للأمة الخطأ، وأكثر ما يقع هذا إِن كان واقعًا فيما قل وقوعه.
فأمَّا المسائلُ التي يحتاج المسلمون إليها عموماً، فلا يجوز أن يعتقد أنَّ الأئمة المُقتدى بهم في الإسلام في هذه الأعصار المستطالة اجتمعوا فيها عَلَى الخطأ؛ فإنَّ هذا قدحٌ في هذه الأمة قد أعاذها الله منه.
فإن قيل: نحن نُسلم منعَ عُموم الناس من سلوك طريق الاجتهاد؛ لما يُفضي ذلك إِلَى أعظم الفساد.
لكن لا نسلم منعَ تقليد إمامٍ مُتبع من أئمة المجتهدين غير هؤلاء الأئمة المشهورين.
قيل: قد نبَّهنا عَلَى علة المنع من ذلك، وهو أنَّ مذاهب غير هؤلاء لم تشتهر ولم تنضبط، فربما نُسب إليهم ما لم يقولوه، أو فُهم عنهم ما لم يريدوه، وليس لمذاهبهم من يذبّ عنها، ويُنبّهُ عَلَى ما يقع من الخلل فيها بخلاف هذه المذاهب المشهورة.
فإن قيل: فما تقولون في مذهب إمامٍ غيرهم قد دُون مذهبه وضُبط وحفظ كما حُفظ مذاهب هؤلاء؟