ومنها: معرفةُ صحيحه من سقيمه: وذلك تارة بمعرفة الثقات من المجروحين، وإليه كانت نهاية المنتهى في علم الجرح والتعديل.
وتارة معرفة طُرق الحديث واختلافه، وهر معرفة علل الحديث.
وكان أيضاً نهايةٌ في ذلك.
وهذا وإن شاركه كثيرٌ من الحفاظ في معرفة علل الحديث المرفوعة، فلم يصل أحدٌ منهم إِلَى معرفته بعلل الآثار الموقوفة.
ومن تأمل كلامه في ذلك: رأى العجب، وجزم بأنه قل من وصل إِلَى فهمه في هذا العِلْم رضي الله عنه.
ومنها: معرفته فقه الحديث وفهمه، وحلاله وحرامه ومعانيه، وكان أعلم أقرانه بذلك كما شهد به الأئمة من أقرانه، كإسحاق وأبي عُبيد وغيرهما.
ومن تأمل كلامه في الفقه وفهم مأخذه ومداركه فيه، علم قوة فهمه واستنباطه.
ولدقة كلامه في ذلك، ربما صعُب فهمُه عَلَى كثير من أئمة أهل التصانيف ممن هو عَلَى مذهبه، فيعدلون عن مآخذه الدقيقة إِلَى مآخذ أُخر ضعيفة يتلقّونها عن غير أهل مذهبه، ويقع بسبب ذلك خللٌ كثير في فهم كلامه، وحمله عَلَى غير محامله.
ولا يحتاج الطالبُ لمذهبه إلا إِلَى إمعانٍ وفهم كلامه.
وقد رئي من فهمه وعلمه ما يقضي منه العجب، وكيف لا، ولم يكن مسألة سبق للصحابة والتابعين ومن بعدهم فيها كلامٌ؛ إلا وقد علمه وأحاط علمه به، وفهم مأخذ تلك المسألة وفقهها، وكذلك كلام عامة فقهاء الأمصار وأئمة البلدان -كما يُحيط به معرفته- كمالك، والاوزاعي، والثوري، وغيرهم.