وقد عُرض عليه عامةُ علم هؤلاء الأئمة وفتاويهم، فأجاب عنها تارة بالموافقة وتارةٌ بالمخالفة.
فإنَّ مُهنا بن يحيى الشامي عرض عليه عامةَ مسائل الأوزاعي وأصحابه، فأجاب عنها.
وجماعةٌ عرضوا عليه مسائل مالك وفتاويه من الموطأ وغيره، فأجاب عنها. وقد نقل ذلك عنه حنبلُ وغيره.
وإسحاقُ بن منصور عرض عليه عامةَ مسائل الثوري، فأجاب عنها.
وكان أولاً قد كتب كُتب أصحاب أبي حنيفة وفهمها، وفهم مآخذهم في الفقه ومداركهم، وكان قد ناظر الشافعي وجالسه مُدّة وأخذ عنه.
وشهد له الشافعيُّ رضي الله عنه تلك الشهادات العظيمة في الفقه والعلم، وأحمد مع هذا شاب لم يتكهل.
ومعلوم أنَّ من فهم علمَ هذه العلوم كلُّها وبرع فيها، فأسهلُ شيءٍ عنده معرفة الحوادث والجواب عنها، عَلَى قياس تلك الأصول المضبوطة والمآخذ المعروفة.
ومن هنا قال عنه أبو ثور: كأنَّ أحمد إذا سُئل عن مسألة كأنَّ علم الدُّنْيَا لوحٌ بين عينيه، أو كما قال.
ولا نعلم سُنَّة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أحاط بها علمًا، وكان أشدُّ الناس اتباعًا للسنة إذا صحت، ولم يعارضها معارضٌ قوي.
وإنَّما ترك الأخذَ بما لم يصح، وبما عارضه معارضٌ قوي جدًا.
وكان السَّلف-رضي الله عنهم-؛ لقُرب عهدهم بزمن النوة، وكثرة ممارستهم كلام الصحابة والتايعين ومن بعدهم؛ يعرفون الأحاديث الشاذة التي لم يعمل بها، ويطرحونها. ويكتفون بالعمل بما مضى عليه السَّلفُ.