للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صنيعكما الليلة". ونزلت هذه الآية (١).

وكان كثير من السَّلف يؤثر بفطوره غيره وهو صائم ويصبح صائما، منهم: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وداود الطائي، وعبد العزيز بن سليمان، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل وغيرهم.

وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.

ومنهم من كان لا يأكل إلا مع ضيف له، قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم عَلَى طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إِلَى المسجد (فأكله) (*) مع الناس، وأكل الناس معه.

وكان منهم من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن المبارك، وكان ابن المبارك ربما يشتهي الشيء فلا يصنعه إلا لضيف ينزل به فيأكله مع ضيفه.

وكان كثير منهم يفضل إطعام الإخوان عَلَى الصدقة عَلَى المساكين.

وقد رُوي هذا المعنى مرفوعًا من حديث أنس بإسناد ضعيف، ولاسيما إن كان الإخوان لا يجدون مثل ذلك الطعام.

كان بعضهم يعمل الأطعمة الفاخرة ثم يطعمها إخوانه الفقراء، ويقول: إنهم لا يجدونها. ومنهم من يقول: إني لا أشتهيه، وإنَّما صنعته لأجلكم. وبعضهم اتخذ حلاوة فأطعمها المعتوه، فَقَالَ له أهله: إن هذا لا يدري!. فَقَالَ: لكن الله يدري.

واشتهى الربيع بن خثيم حلواء فلما صنعت له دعا بالفقراء فأكلوا، فَقَالَ له أهله: أتعبتنا ولم تأكل!. فَقَالَ: ومن أكله غيري!


(١) أخرجه البخاري (٣٧٩٨)، ومسلم (٢٠٥٤) من حديث أبى هريرة بنحوه.
(*) فيأكله: "نسخة".

<<  <   >  >>