للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال عمر: إياكم والدخول عَلَى أهل السعة فإنَّه مسخطةٌ للرزق.

واعلم أن المسكين إذا أُطلق يُراد به غالبًا من لا مال له يكفيه، فإن الحاجة توجب السكون والتواضع، بخلاف الغنى فإنَّه يوجب الطغيان، ولهذا ذُمَّ الفقير المختال وعظم وعيده لأنّه عصى بما ينافي فقره، وهو الاختيال والزهو والكبر.

ولما كان المسكين عند الإطلاق لا ينصرف إلا إِلَى من لا كفاية له من المال وصى الله تعالى بإيثار المساكين وإطعامهم الطعام، ومدح من يُطعمهم، وذمَّ من لا يحف عَلَى إطعامهم، وجعل لهم حقًّا في أموال الصدقات والفيء وخُمس الغنائم وحضور قسمة الأموال.

وهؤلاء المساكين عَلَى قسمين:

أحدهما: من هو محتاج في الباطن وقد أظهر حاجته للناس.

والثاني: من يكتم حاجته ويظهر للناس أنَّه غنيٌّ فهذا أشرف القسمين، وقد مدح الله عز وجل هذا في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٧٣]، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بهذا الطوَّاف الَّذِي ترده اللقمه واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين من لا يجد ما يغنيه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه" (١). وقال بعضهم: هذا المحروم المذكور في قوله عز وجل: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: ١٩].


= (٣/ ١٣٩ - ١٤٠) عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدُّنْيَا كزاد الراكب، وإياك ومجالسة الأغنياء .. " الحديث.
قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان، قال: وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول: صالح بن حسان منكر الحديث". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي قائلا: الوراق -يعني: سعيد بن محمد- عدم".
(١) أخرجه البخاري (١٤٧٦) ومسلم (١٠٣٩) عن أبي هريرة بنحوه.

<<  <   >  >>